تراجعت أنباء الحرب في أفغانستان من صدارة الصحف والنشرات الاعلامية في بريطانيا. الصفحات الأولى صارت توزع عناوينها الرئيسية بين الأخبار المحلية والأخبار الدولية، وبينها أفغانستان. الحدث الدولي لم يعد مهماً بالمقدار نفسه. يقول آلكس ثومسون، مقدم الأخبار في المحطة الرابعة ل"الحياة": "أخبار أفغانستان وتغطيتها وصلت إلى درجة التشبع، إلى حد أن مشاهدينا سئموا التركيز على هذه الأنباء وبعضهم اشتكى". نشرة السابعة مساء أمس، وهي من النشرات الرئيسية في بريطانيا، أعدت بطريقة مختلفة. أنباء الخفوضات في الموازنة والانفاق على الصحة كانت الطاغية. ثومسون عاد منذ أربعة أيام من أفغانستان بعدما أمضى ستة أسابيع هناك. انطباعاته ليست مشابهة لما كان يحمله في البداية. يقول: "منظمات الاغاثة تحاول إثارة الجمهور. تتحدث عن ستة ملايين يعانون من الجوع في أفغانستان. أين هم هؤلاء الستة ملايين؟ لم أرَ ولا 600 منهم، ولا حتى 60 أو ستة، فأين هم؟". يستدرك قائلاً: "الصحيح أيضاً أني لم أزر كل أفغانستان ولم أذهب الى كل المناطق التي تعاني من نقص الغذاء، خصوصاً في باميان وبعض المحافظات المتضررةالأخرى". رأي الصحافيين العائدين يعزز اقتناع زملائهم في غرف الأخبار في لندن بأن التغطية الاعلامية لأفغانستان يجب أن تتغير. أسباب كثيرة وراء التغيير، أبرزها أن الحرب في أفغانستان شكلت تتمة لصدمة التفجيرات في الولاياتالمتحدة والخطر الرهابي القادم من الشرق البعيد. لكن شيئاً لم يحدث والخطر الارهابي تبين في نهاية المطاف أنه شبح صغير. المعارضة البريطانية أعلنت منذ البداية هدنة مع الحكومة. الصحافة لم يعد لديها من حديث باستثناء الحرب التي وقفت فيها بريطانيا "جنباً إلى جنب" مع الولاياتالمتحدة. القوات البريطانية كانت ستشارك في العمليات البرية، لكن الأميركيين استبعدوها فلم تعد الحرب في أفغانستان مسألة وطنية تهم الرأي العام البريطاني. ولولا مشاركة 100 جندي من وحدات "جرذان الصحراء" في أعمال تسلل وراء خطوط "طالبان" وبعض مساعدات انسانية تقدمها بريطانيا للاجئين الأفغان، لما كان هناك ما يربط بين ما يحدث في وسط آسيا والصحافة البريطانية. ركزت نشرات الأنباء على أخبار الموازنة والانفاق على الضمان الاجتماعي. صحافي مخضرم قال: "الصحة أكثر أهمية بالنسبة إلى كثيرين في بريطانيا من أخبار أفغانستان. الأفغان أنفسهم سيكونون أكثر اهتماماً بأخبارهم من الاهتمام بما يجري في البلاد البعيدة عنهم. وهذا طبيعي". مجزرة مزار الشريف ومقتل مئات المقاتلين غير الأفغان فيها، ممن اعتقلوا في زنازين قوات الجنرال دستم، ليست الخبر الأول. بين أسرى الحرب الذي تقصفهم طائرات "أف 18" بقنابل تزن طناً هناك بريطانيان، لكن الخبر لم يثر أدنى قدر من الاهتمام. أخبار المعتقلات التي يزج بها سجناء "طالبان" في قندوز، في الزنازين الصغيرة الواطئة نفسها التي كانوا يسجنون فيها معتقليهم تثير حماس بعض المراسلين لوصفها والتحدث عن عمليات القتل العشوائية التي تعرض لها بعض المقاتلين ممن رفضوا الاستسلام فقاتلوا الى أن تم أسرهم، ليلقوا بعد ذلك حتفهم تحت وطأة الضرب والسحل قبل افراغ رصاصات في أصداغهم، كما ذكر مراسل صحيفة "التايمز" الذي أشار إلى تبجح مقاتل في منتصف عمره من "تحالف الشمال" وقف مفتخراً فوق جثة مقاتل "طالبان" يبدو في الثامنة عشرة من عمره بعدما أرداه برصاصة في صدغه. كريس ريد المسؤول في هيئة "بي.بي.سي" يرفض أن تكون الأهمية تراجعت تماماً، ويؤكد أن التغطية لا تزال موسعة. ال "بي.بي.سي." أكثر جدية من منافسيها، لكنها في الدرجة الأولى تخاطب جمهورها البريطاني. يقول ريد معترفاً: "أخبار الموازنة هي خبرنا الرئيس اليوم أمس، لأنها المسألة الأهم في نظر الجمهور".