استبعد الاقتصاديون في صندوق النقد الدولي نهاية مبكرة للمتاعب التي تواجهها الاقتصادات الناشئة في الحصول على التمويل من أسواق السندات والأسهم الدولية منذ شهور عدة، وتفاقمت بعد أحداث أيلول سبتمبر، مؤكدين أن انتعاش التدفقات الاستثمارية إلى هذه الاقتصادات التي تشمل عدداً من الدول العربية، سيكون مرهوناً بحدوث تحول قوي في ربحية الشركات والنشاط الاقتصادي في الأسواق الدولية، لا سيما الولاياتالمتحدة السنة المقبلة. وذكر صندوق النقد، في تقرير عن نشاط التمويل في الاقتصادات الناشئة، ان الهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن وما أفرزته من نتائج سلبية أهمها زيادة حساسية المستثمر الدولي ازاء المخاطر وتعميق المؤشرات المنذرة بانزلاق الاقتصاد الدولي إلى الركود، أدت إلى اطلاق عمليات بيع واسعة النطاق لسندات وأسهم الاقتصادات الناشئة من قبل المستثمرين وأحدثت حالاً من "الجفاف" في الاصدارات الجديدة المقومة بالدولار. وقال كبير الاقتصاديين باكيم شاندا، الذي أشرف على إعداد التقرير: "أصبحنا الآن ندرك أن الاقتصاد الأميركي فقد زخمه بسرعة أكبر مما توقعه غالبية المراقبين وعلى هذه الخلفية أدت أحداث أيلول إلى عمليات بيع واسعة النطاق لسندات وأسهم الاقتصادات الناشئة وحدث جفاف في الاصدارات الجديدة المقومة بالدولار في أسواق المال الدولية". وأوضح صندوق النقد أن محصلة الأحداث الأخيرة تمثلت في انزلاق إصدارات الاقتصادات الناشئة إلى مستوى لم تشهده منذ الأزمة الآسيوية عام 1997 والأزمة الروسية في العام التالي، مشيراً إلى أن القيمة الاجمالية للسندات التي تم اصدارها في الأسواق الدولية في الفصل المنتهي في 30 أيلول الماضي، فشلت في الوصول إلى نصف القيمة الاجمالية للاصدارات في الفصل الثاني، وان اصدارات الأسهم جاءت ضحلة وهامشية بينما سجلت القروض التضامنية تراجعاً ملموساً. وحسب التقرير، الذي يصدره صندوق النقد الدولي فصلياً، بلغت القيمة الاجمالية للسندات والأسهم والقروض التضامنية التي أصدرتها الاقتصادات الناشئة في الفصل الثالث من السنة الجارية 2.27 بليون دولار مسجلة انخفاضاً خطيراً بنسبة 46 في المئة عن الفصل الثاني، ومسجلة كذلك انخفاضاً بنسبة مماثلة بالمقارنة مع الفصل الثالث من العام الماضي، حين بلغت القيمة الاجمالية لهذه الاصدارات 3.50 بليون دولار. وبلغت القيمة الاجمالية لإصدارات السندات في الفصل الثالث 6.11 بليون دولار ومنخفضة بنسبة 60 في المئة عن الفصل الثاني وبنسبة 45 في المئة عن الفصل الثالث من العام الماضي، وبلغت القيمة الاجمالية لإصدارات الأسهم بليون دولار مقارنة بحصيلة تقل قليلاً عن 3.5 بليون دولار في الفصل الثاني و8.8 بليون دولار في الفصل الثالث من العام الماضي، بينما انخفضت القروض التضامنية إلى 6.14 بليون دولار مقابل 4.20 بليون دولار و1.16 بليون في فترتي المقارنة على التوالي. وتأثرت المناطق المختلفة للاقتصادات الناشئة بدرجات متفاوتة، إلا أن الاقتصادات الآسيوية الناشئة سجلت أكبر تراجع لكل الاصدارات التي انخفضت قيمتها الاجمالية من 3.22 بليون دولار في الفصل الثاني إلى 3.7 بليون دولار في الفصل الثالث، ما شكل انكماشاً بنسبة 67 في المئة، وتقلصت اصدارات الاقتصادات الناشئة في أميركا الجنوبية والكاريبي بنسبة أقل، منخفضة من 8.18 بليون دولار في الفصل الثاني إلى 5.9 بليون دولار في الفصل الثالث. وسجلت اصدارات الاقتصادات الناشئة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وافريقيا أقل نسبة تراجع، إذ بلغت قيمتها الاجمالية في الفصل الثالث 4.10 بليون دولار مقابل 3.12 بليون دولار في الفصل الثاني و4.15 بليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. وأكد الاقتصاديون في المؤسسة الدولية ان حال الجفاف التي تعانيها الاقتصادات الناشئة في مصادر التمويل الخاصة مؤهلة للاستمرار حتى نهاية السنة الجارية على أقل تقدير، على رغم التحسن الكبير الذي شهده بعض أسواق المال الصناعية والناشئة في الآونة الأخيرة، وقالوا "إن حدوث تحسن مستدام في التدفقات الاستثمارية الخاصة على الاقتصادات الناشئة سيعتمد على حدوث تحول قوي في ربحية الشركات والنشاط الاقتصادي في الأسواق الصناعية لا سيما الولاياتالمتحدة". لكن الاقتصاديين شددوا على أن فرصة حدوث الانتعاش المأمول في الاقتصاد الأميركي خصوصاً تظل في الوقت الراهن عرضة لدرجة عالية من الغموض.