بعد مجموعة من البرامج الكوميدية الساخرة، منذ "فضائيات"، و"غنائيات"، و"داوديات"، التي قدمها بنجاح الفنان الكويتي داود حسين على الشاشة الفضية، بأسلوب ساخر ولاذع موجها نقداً مباشراً لمجموعة من البرامج الفضائية العربية، ومجموعة من أغاني الفيديو كليب. أطل علينا حسين هذه السنة ببرنامج لم يكن في الحسبان لجهة المضمون، والموضوع المناقش، وإن كان في الإطار التهكمي الكوميدي ذاته. البرنامج اسمه "إرهابيات" ويبث على شاشة قناة أبو ظبي الفضائية. ويتناول بالسخرية شخص الإرهابي أرييل شارون، جزار صبرا وشاتيلا. نجح داود حسين في إثارة الحكومة الإسرائيلية، واستفزازها سياسياً وبقوة، لدرجة جعلها تقوم بحملة ترويجية ضد البرنامج، وتحرض الشركات الأميركية على مقاطعة الإعلان في قناة أبو ظبي الفضائية، شاحذة في هذا الصدد همة وزير خارجيتها شمعون بيريز، الذي عبر عن اشمئزازه من البرنامج وحنقه الشديد عليه. نجح "إرهابيات"، في كشف زيف دعاوى الحرية والانفتاح الإعلامي الصهيوني الكاذبة والعنصرية. كما نجح في تحقيق ما عجزت عنه مقرارت وزراء الإعلام العرب، يشكل بذلك حجة وشاهداً على الإعلام العربي، ودليلاً على مقدرة الفعل المؤثر عندما تكون هناك إرادة ونية صادقتين، وإلا فكيف يمكن لبرنامج بسيط وبإمكانات محدودة، أن يحقق هذا النجاح ويحرج إسرائيل ويغضبها إعلامياً ويجعلها تلجأ الى الأممالمتحدة، موصلاً رسالته السياسية بنجاح وفي وقت قصير وقياسي. كان ذلك هو الجانب الإيجابي في "إرهابيات"، على أمل أن يكون محفزا للفضائيات العربية على صياغة عمل يكون له تأثير إعلامي قوي يخترق عالم الفضائيات والإعلام العالمي. وهنا نقطة مهمة ينبغي التوقف عندها، وهي: أن هذا البرنامج يبث باللغة العربية، ويبث في فضائية عربية موجهة للعرب، وعلى رغم ذلك أحدث كل هذه الضجة، فكيف لو كان يبث بلغات عالمية أخرى، كالفرنسية والإنكليزية أوالألمانية، فما الذي كان من الممكن أن يحدثه؟ الجانب السلبي في هذا البرنامج فيكمن في إغراقه في نمطية الكوميديا التلفزيونية التي مارسها داود حسين طيلة سنوات خلت، وعدم تجاوزه الرتابة التي جعلت البرنامج من ناحية فنية ضعيفاً. فالأفكار بسيطة، وفي بعض الأحيان ساذجة، تفتقد للعمق وللتركيز على الجانب النفسي العميق، الذي يحفر في الذات العربية نحو الفعل والعمل، لا مجرد التندر والسخرية، والسيناريو ضعيف، والمشهدية في كثير منها غير مكثفة، حتى ان الفكرة نجدها ضائعة بين كم من اللقطات التي يمكن وصفها بأنها تحصيل حاصل. وإشكالية البرنامج أنه ركز فقط على إظهار شارون بصورة ساخرة وحسب، مكتفيا بمخاطبة الحس الفكاهي لدى المتلقي العربي، ولم يتعب نفسه في الغوص في داخليات وعمق النفس الشارونية البغيضة، ليعري الجوانب التي يغفل عنها الإعلام اليومي والسياسي. كما أنه لم يقدم - على الأقل لحد الآن - صورة للفعل العربي أو ما يمكن فعله. وللتدليل على ذلك نسوق مثالا جاء في الحلقة التي كانت بعنوان "إرهابي أنا" التي كان فيها الإرهابي شارون يرد على المطرب يوري مرقدي في أغنيته "عربي أنا". إذ نجد أن التقابل الموضوعي هنا مفقود فأغنية "عربي أنا" أغنية عاطفية فاشلة، أي أنها ليست وطنية، بل على العكس تقدم صورة سلبية للمواطن العربي، فكيف يمكن جعلها المقابل الموضوعي الإيجابي لأغنية شارون "إرهابي أنا". شيء آخر، وفي الحلقة نفسها، كان شارون يغني أغنيته "إرهابي أنا"، مصحوبة بمشاهد حقيقة ومؤلمة للضحايا الفلسطينيين، والمجازر الصهيونية، بينما الأغنية تبعث على الضحك والقهقهة، ما أفقد مشاهد وصور الشهداء الفلسطينيين هيبتها، وجعل المشاهد في حالة حيرة، بين البكاء من فداحة اللقطات أو الضحك على أغنية شارون. ملاحظة سلبية أخرى وقع فيها البرنامج، وتتمثل في أفقه المحدود، أي إقتصاره على مخاطبة الرأي العام العربي، خاسرا بذلك شريحة كبيرة من المشاهدين كان من الممكن أن يضيفهم الى رصيده. فما المانع من ترجمة البرنامج، وعرض شريط برمجة يظهر على الشاشة متزامنا مع الحوار الذي يدور فيه. إن دل ذلك على شيء، فإنما على ضعف التخطيط والسرعة في العمل، وعدم التفكير في الطريقة المثلى التي من الممكن أن تصل بها رسالة البرنامج بشكل قوي وسريع لأكبر شريحة ممكنه من المشاهدين. فقناة أبو ظبي الفضائية تبث عبر القمر الأوروبي "الهوت بيرد"، وكان بالإمكان الاستفادة من ذلك. داود حسين ممثل قدير وكبير، وله من المهارات ما يمكنه من أن يقدم عملاً تمثيلياً أكبر وأفضل. ويعتبر عمله هذا عملاً نضالياً يشكر عليه. كما أن التاريخ الصهيوني مليء بالإرهاب مما يجعلنا نستطيع أن نقدم عملاً أكثر تكاملاً وقوة، بقليل من الصبر وعدم الاستعجال، وبنوع من الوعي الفني وعدم الإغراق في اللحظة السياسية، التي يمكن أن نوصل رسالتها وبعمق من دون الوقوع في السطحية والسلبية الفنية. وبانتظار أن تكون باقي حلقات البرنامج في هذا الشهر أكثر عمقاً وجودة، ويبقى الرأي النهائي، بعد انتهاء البرنامج حلقاته.