على رغم أنه لا يزال هناك نحو ثلاثة أشهر تفصلنا عن انطلاقة بطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا واحد، فإن العمل في مصانع فيراري في قرية مارانيللو الايطالية يسير على قدم وساق... والهدف هو إنجاز الطراز الجديد المتطور جداً من السيارة التي سيقودها الالماني ميكايل شوماخر والبرازيلي روبنز باريكيللو في عام 2002 دفاعاً عن لقبي السائقين والصانعين. رئيس مجموعة فيراري لوكا دي مونتزمولو أكد أن السيارة الجديدة ستكون مختلفة في نواح عدة، كي تبقى في القمة. ورأى أن ضم السائق البرازيلي لوشيانو بورتي الى فريقه هو من بين الخطوات المهمة ليبقي فريقه في الصدارة العام المقبل أيضاً وللمرة الثالثة على التوالي. في قرية مارانيللو الايطالية القريبة من مدينة مودينا معقل فيراري، عُلقت "روزنامات" العام الجديد على الجدران منذ الآن وأهم ما ميزها دائرة حمراء تحدد يوماً معيناً: الاول من شباط فبراير، لأنه اليوم الذي قررت ان تكشف فيراري فيه عن النسخة الجديدة المتطورة من سيارات سباقات فورمولا واحد. الجهود تتزايد وتتسارع الخطى في سبيل اللحاق بالموعد وعدم التخلف عنه، ومصانع فيراري تحولت خلية نحل في شكل إضافي لأن البرنامح المحدد لا يسير وفقاً لما خطط له، فالاعمال تسير أبطأ مما كان مقرراً. ووفقاً للتقارير الواردة، فإن عشاق فيراري خصوصاً وسباقات فورمولا واحد عموماً سيشاهدون العام المقبل سيارة "ثورية" في كل شيء،إذ دخلت تعديلات جوهرية عليها خارجياً وداخلياً. ولأن فيراري تعشق التجديد دائماً، فقد تعاقدت أخيراً مع سائق تجارب جديد هو البرازيلي لوشيانو بورتي 26 عاماً، وبورتي هذا ما هو إلا سائق فريق بروست الفرنسي سابقاً، وهو تحديداً ذلك السائق الذي اصطدم بمؤخرة سيارة "شومي الكبير" و"طار" من فوقها في جائزة المانيا الكبرى العام الماضي، وهو نفسه الذي كاد يلقى حتفه تحت جدار من الاطارات المطاطية في بلجيكا في العام ذاته. واختيار المسؤولين عن الفريق الايطالي جاء في محله، لأن سيارات فريق بروست تعتمد على محركات منتجة أصلاً في مصانع فيراري. واللافت أن المتابعين لهذه الرياضة "المرعبة"، أكدوا في تقارير سابقة أن عودة السائق البرازيلي الى الحلبات شبه مستحيل... وأنه لن يمكنه حتى التنافس في سباقات الكارتينغ. لكن المعجزة حدثت، وتماثل بورتي للشفاء، والاهم أنه تعاقد مع فيراري "لم أشعر بسعادة من قبل مثل تلك التي أحسست بها عندما وقعت للفريق الايطالي، لقد نقلني هذا التوقيع من الجحيم الى فيراري... وماذا يتمنى المرء أكثر من ذلك!" والاكيد أن البرازيلي روبنز باريكيللو لعب دوراً مهماً في إقناع فيراري بالتعاقد مع مواطنه، فهما صديقان حميمان "لوشيانو صديقي، ولا نفترق كثيراً. صدمت لحظة حادثته، وعانيت كثيراً عندما تردد أنه لن يمكنه أن يعود الى السباقات. راجعت الاطباء غير مرة، وفي كل مرة كانت الازمة في تزايد. وكم كان سروري عندما تغير الوضع فجأة بعد مرور 15 يوماً على الحادثة، حين تغيرت أحوال صديقي تماماً وبدا وكأنه تماثل للشفاء. حالته الصحية حالياً جيدة، وهو في طريقه الى الشفاء الكامل... ولا شك أن تعاقد فيراري معه رفع كثيراً من معنوياته ومعنوياتي". لوكا دي مونتزمولو رئيس مجموعة فيراري، رأى أن التعاقد مع بورتي جاء لحاجة الفريق الى سائق تجارب في خبرته وقدراته. ومونتزمولو الذي يترأس فيراري منذ عشر سنوات أشار الى أن السيارات ستتغير كثيراً خلال العام المقبل "ولكي نبقى في الطليعة، فإن الخطأ غير مسموح في أي شيء وكل شيء... في تصنيع السيارة الجديدة والتعديلات التي تدخل عليها... في اختيار السائقين وتوفير المناخ الملائم لهم للعمل الجاد... في توفير كل من متطلبات الانتاج وحاجات العاملين عليه داخل المصنع وخارجه... نفسياً ومالياً واجتماعياً، فالمنظمومة الناجحة لا يجب أبداً أن تكون إحدى حلقاتها ضعيفة وإلا انتهى الامر برمته الى الجحيم. الجميع يعانون من أجل تحقيق الفوز في كل مرة، فلا بد من أن تكون النتائج على قدر هذه الجهود. السباقات في إجازة، لكننا نبذل جهداً غير عادي من أجل تصنيع السيارة الجديدة التي ستكون مختلفة في جوانب كثيرة حتى تبقى في القمة. عائلاتنا تدفع الكثير نظير غيابنا غالبية فترات العام عنها، ولذل أتساءل دائماً: هل يستحق الامر؟"، وأجاب بنفسه "اعتقد أنه يستحق فعلاً كل هذا العناء، فليس هناك أحلى من مذاق الانتصار". ومعروف أنه قدر لبطولة العالم للسائقين في سباقات فورمولا واحد، أن تبلغ قمة الاثارة وأن تشد اهتماماً كبيراً حتى من أولئك الذين لا تعني هذه الرياضة لهم شيئاً كبيراً، بفضل المنافسات التي حفلت بها دائماً، فالرياضة من دون تنافس على الألقاب لا معنى لها على الاطلاق... ومعرفة هوية الفائز سلفاً ليست من الرياضة في شيء وهذا ما لا ينطبق أبداً على هذا النوع من السباقات التي تتغير نتائجها من لحظة الى أخرى. والواقع أن رياضة سيارات فورمولا واحد من أعقد الرياضات في العالم الحديث وأصعبها وأنجحها وأكثرها سرية، لأنها تمثل عالمًا قائمًا بذاته فيه إنفاق كثير وأرباح أكثر. كل شيء مبرمج وعلى أعلى المستويات، فهي عملية تجارية مربحة اتخذت من هوس عدد كبير من البشر بعنصري السرعة والاثارة طريقاً لنجاحها... ووراء كل ذلك فرق لا عد لها ولا حصر، إن على صعيد النوعية أو الكمية. لكن المهم في كل هذا يتمثل في الواجهة، وهذه الواجهة ما هي إلا مجموعة مغامرين يتمتعون بأعصاب حديد يطلق عليهم لقب السائقين، يضعون رؤوسهم على أكفهم خصوصاً مع ازدياد معدلات السرعة التي تفوق أحياناً ال300 كلم/ ساعة بفعل التقنيات المتقدمة التي هي نتاج لجهد دؤوب يمتد الى 24 ساعة من 24 والى 365 يوماً من 365. لكن الشهرة والمال يمثلان عندهم الهدف الاهم على اعتبار أن "الاعمار بيد الله". وعالم سيارات فورمولا واحد يتألف من ثلاثة عناصر رئيسة: الصانع والممول والسائق... وهم يشكلون فريق عمل مشترك في عالم أعمال ورياضة صعب ومعقد يصعب الاحاطة به من كل جوانبه. وربما يكون الحديث عن السائق بالذات هو الأسهل، لأن مثل هذا الامر يقتصر على النواحي الرياضية بكل ما فيها من مهارة وبراعة في فنون القيادة، وعلى مهماتهم التي من بينها اطلاعهم شخصياً ومشاركتهم في اختبار المحركات والاطارات والهيكل والمكابح ودرجة الانسيابية ومقاومة السيارة للهواء. وفيراري هي واحدة من الشركات المصنعة الكبرى التي تشمل العناصر الثلاثة معاً، ولذا فإن مهمتها أصعب من غيرها. فهي التي تصنع سياراتها بنفسها، وهي التي تمول كل متطلبات هذه الرياضة، وهي أيضاً تتعاقد مع السائقين الذين يتنافسون باسمها. الوصول الى القمة عادة ما يكون صعباً، لكن الاكيد أن الاصعب منه هو البقاء عليها... وفيراري استطاعت أن تبقى في مقدمة الجميع في بطولتي العالم للصانعين والسائقين عامين متتاليين... فهل تتمكن من تحقيق الثلاثية؟ سؤال سابق جداً لأوانه... لكنه يستحق التفكير في إجابته منذ الآن!