القى جاك سترو وزير الخارجية البريطاني كلمة مهمة في 22 تشرين الاول اكتوبر الماضي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. وكانت بعنوان "من الفوضى الى النظام: مستقبل افغانستان". كانت اول محاولة جدية لوزير في الحكومة للقيام بدراسة تتجاوز شعارات الحملة ضد الارهاب وتلقي نظرة الى ما بعد القتال في افغانستان. ولا اشك ان جزءاً من هدف هذه الكلمة هو تقديم اجابات لعدد متزايد من نواب حزب العمال الذين افزعتهم عدم دقة القصف الاميركي وصور الضحايا التي يبثها التلفزيون، والذين يعبرون عن قلقهم لعدم اعطاء المساعدات الانسانية أولية كافية. اعتبر جاك سترو ان احداث 11 ايلول سبتمبر "كانت مؤشراً الى تحول في الشؤون الدولية. فنادراً ما شهد تاريخ العالم احداثاً كهذه حفّزت النظام العالمي ودفعته الى التحرك بمستوى شامل الى هذا الحد وخلال وقت قصير ... واذا كان التحدي الرئيسي قبل انهيار الاميراطورية السوفياتية وعلى امتداد القرن العشرين كان يتمثل في دول تملك قوة مفرطة، فإن مشكلة القرن ال 21 ربما تتمثل بدول لا تملك قوة تذكر ... لا يمكن أحداً ان يشك في ان الخطر الاساسي على أمننا ينبع في الوقت الحاضر من جماعات كانت تنشط سابقاً خارج نطاق الدول، او من اماكن لا وجود فيها للدولة. وكان يمكن في السابق تجاهل اجزاء نائية في العالم تعاني سوء الحكم. لكن لم يعد هذا ممكناً. ففي عالم من دون حدود، اصبحت الفوضى الآن مجاورة لنا سواءً كانت في افريقيا او في آسيا او في افغانستان". وقال سترو انه يتطلع الى مزيد من التدخل الدولي، وكان بذلك يحاكي ما جاء في الخطاب غير العادي والتأملي الذي القاه توني بلير امام مؤتمر حزبه قبل بضعة اسابيع. وفي سياق حديثه عن اعادة إعمار افغانستان، قال سترو انه "ينبغي اولاً ان يوضع المستقبل في ايدي الشعب الافغاني. وثانياً، نحتاج الى ائتلاف عالمي للمساعدة على اعادة بناء افغانستان. وثالثاً، ينبغي للامم المتحدة ان تتولى القيادة في العملية السياسية. ورابعاً، ان نكرس الموارد والارادة السياسية الضرورية لانجاز المهمة". ابدت المملكة المتحدة على مدى سنين طويلة حماسة اكبر بكثير من الولاياتالمتحدة بشأن المنظمة الدولية. وكانت لندن مستاءة من امتناع واشنطن عن دفع ما في ذمتها من مبالغ للامم المتحدة. ولا يتوقع ان تتوجه ادارة بوش الى الاممالمتحدة لتطلب منها الموافقة على خططها العسكرية، لكنها عبّرت عن ارتياحها لادانة مجلس الامن السريعة والشاملة للاعتداءات الارهابية في اميركا. كما تجري الاممالمتحدة تحريات بشأن تمويل الارهاب. وعبّر سترو عن رغبته في تحديد بعض المشاريع التي يمكن ان تترك تأثيراً مباشراً على معاناة الشعب الافغاني في هذه المرحلة. وقال ان هذه المشاريع يمكن ان تتضمن "بالاضافة الى المساعدات الانسانية، اعادة بناء المساكن وبعض التصليحات الأولية في مشاريع الماء والري. سنحتاج الى فرق مستعدة للذهاب هناك وتشغيلها فوراً". كما يتبادر الى الذهن تقديم العون لازالة ملايين الالغام بالاضافة الى العمل على اصلاح البنى التحتية الاساسية. وقال: "ينبغي ايضاً ان نكون مستعدين لعملية طويلة الامد ... قد يستغرق انجاز عملية اعادة إعمار افغانستان خمس الى عشر سنوات". كان هذا التصريح حذراً، الاّ انه اثار قلق الرأي العام البريطاني الذي يريد ان تنتهي الحملة ضد الارهاب بأسرع ما يمكن. فبريطانيا لا تزال مثقلة بالتزاماتها في يوغوسلافيا السابقة ولا تلوح نهاية في الأفق. لكن اعلان "الجيش الجمهوري الارلندي" انه بدأ بنزع اسلحته قد يطلق قوات بريطانية في ارلندا الشمالية كي تشارك في القوة التابعة للامم المتحدة او القوة المتعددة الجنسيات المخصصة لافغانستان التي يدرس سترو ايضاً تشكيلها لحماية المدنيين وتوفير الاستقرار. وكانت احدى الافكار التي تضمنتها كلمته هي ان الفوضى التي تعانيها دول ضعيفة تنتقل الى دول مجاورة، في ما يشبه بتوالي سقوط قطع الدومينو المنتظمة في صف عندما تسقط احداها. على سبيل المثال، كان لانهيار جمهورية الكونغو الديموقراطية تأثير على بلدان كثيرة في هذه المنطقة من افريقيا. وعلى نحو مماثل، كانت احدى المشاكل الكبيرة في سييراليون هي العنف في ليبيريا المجاورة. ويمثل الانهيار الداخلي لافغانستان خطراً حقيقياً على باكستان وايران وآسيا الوسطى. وهناك تأثير عالمي لتجارة المخدرات ومشكلة اللاجئين. ويُعتقد ان 90 في المئة من الهيرويين في بريطانيا يأتي من افغانستان. وأنهى سترو كلمته قائلاً: "نريد ان نرى افغانستان ذات سيادة ومستقلة تملك القدرة على إدامة دولتها ... ستكون اعادة بناء افغانستان الخطوة الحيوية التالية نحو انتصار يمكن لنا جميعاً ان نتقاسمه: انتصار على الارهاب، انتصار على الفقر، وانتصار على الفوضى". * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.