عادت اسعار النفط أمس تتجه نحو الارتفاع، بعدما سجل سعر برميل نفط "برنت" سعراً يقارب 19 دولاراً للبرميل، بعد انخفاض أوصله الاسبوع الماضي الى أقل من 17 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى يبلغه منذ نحو سنتين ونصف سنة. وحفز ارتفاع الأسعار ما تردد عن احتمال ان تخفض روسيا انتاجها، تجاوباً مع الشرط الذي وضعته "أوبك" لخفض انتاجها ابتداء من 1 كانون الثاني يناير المقبل، فيما أشار الامين العام لمنظمة "اوبك" علي رودريغيز الى استعداد عُمان والمكسيك لخفض انتاجهما ب 125 ألف برميل، مؤكداً توجه النروج وروسيا الى خفض انتاجهما. وصرح نائب رئيس الحكومة الروسية فيكتور كريستنكو بأن الوضع في السوق النفطية مقلق لروسيا، وان قرارات ستتخذ قريباً. ويذكر ان موسكو عرضت خفضاً ضئيلاً لا يتجاوز 30 ألف برميل في اليوم من النفط الروسي، رداً على طلب "أوبك" خفضاً بمعدل 500 الف برميل في اليوم. وتوقعت مصادر "أوبك" ان تعقد المنظمة اجتماعاً استثنائياً في فيينا بين 19 و22 كانون الثاني لمراجعة تطورات السوق. وعن التطورات الأخيرة لاسعار النفط، وعما اذا كانت الاسعار المنخفضة بمثابة "هدية" تقدمها روسيا للولايات المتحدة التي تعاني من ركود اقتصادي، توجهت "الحياة" الى كل من رئيس قسم الانتاج والتنقيب في مجموعة "توتال - فينا آلف" النفطية الفرنسية كريستوف دومارجوري، والخبير النفطي بيار تيرزيان، ناشر مجلة "بتروستراتيجي". قال دومارجوري انه لا يرى في هذا الموقف أي ضغط اميركي لخفض الاسعار، وعبر عن اعتقاده بأن المشكلة مرتبطة بروسيا نفسها. وأوضح ان روسيا تراهن ربما على ان "أوبك" ستخفض انتاجها في كل الاحوال، ولا ترى إذن أي ضرورة للمشاركة في الخفض. واعتبر ان هذا احتمال يترافق مع احتمال آخر مرتبط بهيكلية الصناعة النفطية الروسية حيث هناك عدد كبير من الشركات النفطية المستقلة، وبعضها شركات مساهمة ومتداولة في البورصة، ولا يمكنها بالتالي التجاوب مع مطلب حكومي لخفض انتاجها. وذكر ان روسيا شهدت منذ بضع سنوات عملية خصخصة لمجمل صناعاتها خصوصاً منها قطاع الطاقة. لكنه رأى ان ما يحصل اليوم ليس لمصلحة روسيا، اذ ان انخفاض اسعار النفط سيئ جداً بالنسبة اليها، ويلحق بها خسائر قد تفوق خسائر سواها. وفي الوقت نفسه ليس في وسع الحكومة الروسية إصدار قرار يدعو الشركات النفطية الى خفض انتاجها، نظراً الى اللامركزية التي تطغى على صناعة النفط الروسية. وأبدى دومارجوري عدم تفهمه لما وصفه ب"تصريحات غريبة" اصدرتها روسيا حيال "أوبك" وأيضاً اعلانها عن خفض انتاجها بمعدل 30 ألف برميل في اليوم، الذي جاء أسوأ من عدم الاعلان عن أي خفض. وعن تطور الاسعار النفطية، قال ان حلول فصل الشتاء حال دون انخفاض كبير في مستوى الاسعار، فالمتعاملون في اسواق النفط يلتزمون قدراً اكبر من الحذر في بداية الشتاء منهم في فصل الربيع. أضاف ان ما يحول ايضاً دون انهيار الاسعار، هو مخاطر التوتر في الخليج والاحتمال القائم بتوجيه ضربة عسكرية اميركية الى العراق. ورأى ان هذين العاملين تصديا لانخفاض اكبر في الاسعار، لأن ما يظهر حالياً هو ان هناك حرب اسعار. واعتبر دومارجوري ان في مصلحة روسيا ان تتوصل الى خفض انتاجها، نظراً الى هشاشة اقتصادها، ولأنها اكثر تأثراً بانخفاض الاسعار مقارنة مع المملكة العربية السعودية أو الكويت. وقال ان مشكلة الاقتصاد الاميركي منفصلة عن هذه المسألة، وان سعر النفط في المستوى الحالي، لا يؤثر الا قليلاً على صعيد الاقتصاد الاميركي. وتابع ان سعر النفط المنخفض يؤدي الى مكسب فوري، لكنه ينطوي في الوقت نفسه على خطر زعزعة استقرار عدد من الدول المجاورة مثل المكسيك وفنزويلا والارجنتين، التي لا تتسم أوضاعها بالعافية، اضافة الى دول الشرق الأوسط. ورأي انه ليس لأحد اليوم مصلحة في زعزعة استقرار عدد من الدول نتيجة اسعار نفط منخفضة جداً. وعما اذا كانت الولاياتالمتحدة تشجع الصادرات الروسية من أجل تنويع مصادرها النفطية، قال دومارجوري ان السوق النفطية باتت شمولية وان السعر يتوقف على العرض والطلب العالميين وليس على سوق معينة وانه لم يعد من الممكن اعطاء الأولوية لمصدر على مصدر آخر. أما بيار تيرزيان فرأى انه أياً كان التحليل الروسي فإنه يتسم بسوء تقدير اذا اعتبر انه مثل هذا الموقف يريح الولاياتالمتحدة. وقال ان الادارة الاميركية الحالية، وهي جمهورية، اكثر ميلاً من الادارة الديموقراطية السابقة، الى اسعار مستقرة، وان الرئيس جورج بوش شخصياً يؤيد مثل هذا الاستقرار. واضاف ان وزير الخزانة الاميركي بول اونيل صرح امس في اوتاوا بأن الولاياتالمتحدة تؤيد استقرار اسعار النفط عند حدود تراوح بين 20 و25 دولاراً للبرميل. وأشار تيرزيان الى ان الخطأ الثاني الذي ارتكبه الروس انهم لم يقوّموا طريقة اعلانهم عن قرارهم وانعكاساته على صعيد "أوبك" خصوصاً على السعودية أكبر دولة نفطية في العالم.وتابع ان الخطأ الروسي الثالث تمثل باعتقادهم ان دول "أوبك" تعتمد على اسعار النفط الى حد يحول دون مجازفتها بشن حرب اسعار من شأنها ان تؤدي الى انعكاس شديد السلبية على ميزان الصادرات الروسية.ومضى يقول انه اذا انخفض سعر النفط الى 10 دولارات للبرميل، فإن روسيا ستكون مهددة بخسائر تراوح بين 15 و16 بليون دولار سنوياً، وهو مبلغ هائل لبلد يعتمد على النفط، لتأمين 40 في المئة من احتياطي موازنته. وقال ان الديبلوماسية الروسية ارتكبت خطأ فادحاً بإهانتها دول "أوبك" وان روسيا افتقدت تاريخياً لديبلوماسية فاعلة ومرنة.