لا يبذل من يراقب الإصدارات الغنائية الجديدة جهداً ليكتشف ان ثمة تغيّراً في توقيت تلك الإصدارات. فبعدما كان أهل الغناء في لبنان يركزون على أواخر الربيع لتقديم تسجيلاتهم الغنائية الى الجمهور، باتوا يتوقعون ان النتائج الأفضل التي يمكن ان يحصلوا عليها هي في تقديمهم تلك التسجيلات في الخريف. ولكل توقيت من هذين التوقيتين حكمة. فحين كان المطربون والمطربات متعلقين بموسم الربيع في لقائهم السنوي مع الجمهور الذي يتابع نشاطهم الفني وجديدهم، كانوا يعرفون ان فصل الصيف هو الفصل الذي يعيشون فيه ازدهاراً على صعيد الحفلات والمناسبات والمهرجانات، لذا كانوا يستبقون الصيف بشهرين وأحياناً بثلاثة اشهر بإصدار "كاسيتاتهم"، على اعتبار ان فترة الأشهر الثلاثة ضرورية جداً لكي يكون انتشار الأغنيات الجديدة وفيديو كليباتها قد اكتمل في وسائل الإعلام وبين الناس خلال فصل الربيع، ليبدأوا مع حلول الصيف بقطف ثمار جديدهم الذي زرعوه على مدى أشهر ثلاثة سبقت، في احتفالات فنية كانت تملأ المناطق اللبنانية، خصوصاً في المصايف والجبال فضلاً عن الساحل والعاصمة بيروت والمدن الكبرى. باختصار كان الصيف هو الشجرة المثمرة التي يتفيأ المطربون والمطربات ظلها وتعطيهم بلا حساب... أما الآن، وبعدما لم يعد الصيف في لبنان شجرة مثمرة على صعيد المهرجانات والنشاطات الفنية، وتحددت المهرجانات وانحصرت في بعلبك وبيت الدين وصور وجبيل، أي في الأماكن المعروفة والتقليدية وغابت الحركة في غالبية المناطق الأخرى، فقد بات إصدار الكاسيتات في فصل الربيع تمهيداً لصيف حار في البركة المادية والمعنوية غير مجد، فضلاً عن ان المهرجانات المذكورة لا تستقبل اهل الغناء "الشعبيين" المعروفين بقدر ما تختار اصحاب التجارب المميزة ذوو البعد الثقافي عموماً وهؤلاء قلة نادرة... وتحوّل المطربون والمطربات وكذلك شركات الإنتاج الى فصل الخريف لتقديم جديدهم الغنائي على أمل استغلال حفلات رأس السنة... ولليلة واحدة فقط في بداية الشتاء، اي ان الخريف هو لنشر الأغنيات في وسائل الإعلام، وليلة رأس السنة الشتائية لجمع الحصاد. والواقع ان أهل الغناء في لبنان، وأيضاً في العالم العربي، يعانون بسبب انكفاء الجمهور عن ابتياع "كاسيتاتهم"، وهذه ظاهرة عامة يحللها البعض على أنها جزء لا يتجزأ من الركود الاقتصادي. غير ان بعض المحللين يرى ان اهل الغناء يتحمّلون القسط الأوفر من المسؤولية عن ذلك الانكفاء الجماهيري عن طلب جديد "الكاسيت" بسبب انحيازهم الواضح والفاضح الى السهولة في اختيار الأغنيات كلاماً ولحناً وتوزيعاً موسيقياً، إضافة الى دخولهم، بالجملة والمفرق، في التكرار حيث يسمع الجمهور في كل شريط جديد لأي مطرب أو مطربة محاكاة لأغنيات سابقة. والأمثلة على ذلك كثيرة. لم يعد الجمهور، وهو ينتقي هذا الشريط أو ذاك لهذا الصوت أو ذاك، ينتظر شيئاً جديداً حقيقياً. كانت أحلام اهل الغناء في لبنان ممتدة على مساحة صيف كامل، وأراض لبنانية كاملة فضلاً عن الأراضي العربية المجاورة كسورية والأردن ثم الخليج ومصر، فإذا بتلك الأحلام تضيق وتضيق حتى تصبح على مساحة ليلة واحدة فقط لا غير هي ليلة رأس السنة الجديدة! وبذلك انتقل موعد إصدار "الكاسيتات" الى فصل الخريف اي بداية فصل المطر مع ما يستتبع ذلك من تبلل أوراق صور المطربين والمطربات في الإعلانات الضخمة في الشوارع اللبنانية وتبدّل الألوان فيها والملامح... الفنية.