رئيس جمهورية جامبيا يصل إلى المدينة المنورة    "رفيعة محمد " تقنية الإنياغرام تستخدم كأداة فعالة لتحليل الشخصيات    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    المملكة تؤكد على أهمية استدامة الفضاء الخارجي وضمان استمرار الفوائد التكنولوجياته    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتفاق    تراجع أسعار النفط إلى 73.62 دولارًا للبرميل    الجبير ل "الرياض": 18 مشروعا التي رصد لها 14 مليار ريال ستكون جاهزة في العام 2027    محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    النصر وسكّة التائهين!    التزامات المقاولين    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    حروب بلا ضربة قاضية!    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    قراءة في الخطاب الملكي    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    سلامة المرضى    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين استفتاءات اعلامية وألقاب يرددها المتعهدون . "المطرب الأول" ... هل له وجود في العالم العربي؟
نشر في الحياة يوم 11 - 10 - 2000

نسمع حيناً تلو آخر، وخصوصاً لدى تقديم حفلة كبيرة لمطرب عربي كبير سواء في بلده أو في أي بلد عربي آخر، لقب "المطرب الأول في العالم العربي" على سبيل "تجييش" الرأي العام ايجابياً ومحاولة التأثير لاستقطاب جمهور أكبر الى الحفلة. لكن هذا اللقب الكبير فعلاً تحوّل في السنوات الأخيرة الى شبه مشاع يطلقه أي مطرب على نفسه، أو يطلقه أي متعهّد حفلات على نجم حفلته، من دون أن تكون هناك أية مقاييس فنية ضرورية معتمدة في مثل هذه الحالات، وغالباً - ومن دون وجه حق - يصير هذا المطرب أو ذاك أو أولئك معاً هم المطربون الأول دفعة واحدة إذا جمعهم مهرجان فني غنائي، وبذلك لا تعود تعرف من هو مستحق لقب "الأول" ومن هو مستحق لقب "الأخير"، وطالما ان الأخير صار أول هنا، فلا مانع! من أن يصير الأول أخيراً هناك!؟ وليعش، كما يقول المثل، الجمهور العربي في هذه النعمة!؟ كما فليعش المطربون جميعاً، الصغار والكبار في النعمة نفسها، وما حدش أحسن من حدّ... على اللغة التفاضلية!
هل صحيح ان كل مطرب نجم هو بالضرورة "المطرب العربي الأول"؟! وهل صحيح ان كل مطرب تباع كاسيتاته بكثرة هو بما لا يقبل الجدل "المطرب العربي الأول"؟! وأين هو المطرب العربي الأول حقيقةً؟ في أرقام مبيعات الكاسيت؟ أم في مستوى ما يقدم من أغنيات؟ أم في تلك الحملات الإعلامية التي تجعل من اللاشيء شيئاً؟! أولاً، يجب الاعتراف، اعتراف كل أهل الغناء في العالم العربي ان لقب "المطرب الأول" هو لقب مدّعٍ لأنه يحتكر الأولية في الوقت الذي لا يمكن ولا يجوز ان يكون هناك من يحتكر الأولية في الفن. فالغناء ليس "حلقة دراسية" يخضع فيها الجميع للامتحان في المواد نفسها، ومع الأستاذ نفسه، ومع الإدارة نفسها، ومن يحصل على أكبر عدد من العلامات يكون "الأول" بالفعل، أي طليع صفة! والفن ليس سباق خيول، والحصان الأول هو... الأوّل!
الفنانون مجموعة شخصيات متعددة الثقافات، متعددة التجارب، متعددة الأمزجة والأهواء والانجازات والمستويات العقلية والشخصية والاجتماعية والنفسية، وتالياً فإن من يقول انه الأول، ومن يقبل بأن يقال عنه انه الأول، هو شخص معجب بنفسه الى أبعد حدّ، و"أبعد حدّ" هنا ليس بالمعنى الجمالي، بل بمعنى البعد عن المنطق والحقيقة.
يجب أن تكون هناك فوارق كثيرة وعميقة وأساسية وواضحة بين هذا المطرب وذاك حتى نستطيع القول ان أحداً منهم ربما "يتقدم" على غيره لا القول انه الأول على غيره. وبهذا فكلمة الأول يفترض أن تخرج من حلبة النقاش ومن اطار الحكم على المطربين لأنها غير محكومة بأية ضوابط وغير دقيقة، وليست صحيحة أبداً.
وإذا راقبنا الساحة الغنائية العربية ملياً لوجدنا أسماء عديدة، ذات شهرة وانتشار ونجاح، ولوجدنا أيضاً ان الجمهور العربي الكبير لا يحصر حبه في مطرب واحد، بل يوزّع هذا الحب على عدد منهم على اعتبار ان لكل صوت معجبين، وان لكل نوع أغنيات محبين، ومن المستحيل أن يحصل صوت واحد على اعجاب كل الجمهور فيصبح الأول "قاطبة"، كما لا تستطيع نوعية أغنيات أن تمسح غيرها من الوجود فتصبح الأولى.
ثم ان جمهور كل بلد عربي له وجهة نظره في هذا المطرب أو ذاك. فإذا نظرت الى جمهور لبنان قد تجده متعلقاً بالمطرب ملحم بركات أكثر بمرات عما يتعلق بغيره من المطربين غير اللبنانيين، بينما ربما لا تجد في مصر مثلاً من يسمع بملحم بركات "بالكمية والنوعية اللبنانية"، وهذا ناتج من ان ملحم لم يبذل جهداً في هذا السبيل، وهو "متيّم" بحب الأغنية اللبنانية، وذلك لا يعني مطلقاً انه يكره أغنيات الآخرين أو لهجات الأغنيات العربية الأخرى. وإذا كان بعض جمهور مصر مثلاً لا يسمع ولا يرى ملحم كثيراً، فلا ينتقص ذلك من دوره ومن حضوره ومن حجم تجربته الموسيقية والغنائية، ولا يؤثر أبداً على اعتباره أحد أبرز المتقدمين ببراعة على الآخرين في الأغنية اللبنانية... يضاف الى ذلك ان ملحم هو المطرب الأثير لدى جمهور عريض جداً في سورية وفي الأردن. وفي حفلات عدة أقامها في المغرب العربي ردد الآلاف من الجمهور أغنياته.
كذلك يمكن القول ان المطرب جورج وسوف هو واحد من أبرز نجوم الغناء في العالم العربي اليوم، لكنه قطعاً ليس الأول. وبقدر ما لدى جورج من أشخاص يحبونه حتى ولو قال "يا جمل يا بوبعة" كما يقولون، فإن هناك أشخاصاً يرون أنه مؤدٍّ أكثر مما هو مطرب ويستدلون على ذلك بالتبدل الحاصل في صوته خصوصاً في التسجيلات الأخيرة. وسواء كثر أنصار جورج أم كثر من اتخذوا منه موقفاً معارضاً، فإنه مطرب عربي له جمهور عريض وكبير وعاشق لأغنياته، وهو من المتقدمين في الرصيد الشعبي في حدود عالية من دون أن يعني الكلام انه الأول... أيضاً.
المطرب كاظم الساهر، هو أيضاً وأيضاً، شخصية فنية عربية كبيرة، اختار حقلاً خاصاً في الأغنية وراح يحلّق فيه من دون منازع، لكن هل هذا جعله "المطرب الأول في العالم العربي"؟ طبعاً لا، لأن ذلك الحقل الغنائي الذي حدّده كاظم لنفسه، له مؤيّدون وله مناقضون أيضاً حتى ولو كان حقلاً يراه البعض مبتكراً في الأغنية العربية "الشبابية" ويراه البعض الآخر مسبوقاً. وجمهور كاظم الساهر الكبير في كل بلد عربي ليس بحاجة الى براهين، انما في كل بلد عربي ينازعه محبة الجمهور أكثر من مطرب.
... حتى المطرب عمرو دياب لن ينقصه شيء على مستوى الانتشار العربي، إذا كان لقب "المطرب الأول في العالم العربي" سيعتمد على الانتشار فقط؟.
... وحتى مصطفى قمر لن ينقصه شيء ليكون موجوداً و"شائعاً" في بلاد عربية كثيرة، وليصبح "المطرب الأول في العالم العربي" إذا جنح المقياس في الحكم نحو بعض المزاج الشعبي "الشبابي"؟! ونحو اعتبارات المنتجين أو المتعهدين أو مانشيتات بعض الصحافة العربية. هذا هو بيت القصيد، فبعض الصحافة العربية، الفنية تحديداً، وأحياناً السياسية، يحاول أن يعتمد على بعض استفتاءات عابرة وغالباً ما تكون مبرمجة و"مدروسة" ومدفوعة الأجر، ليقول ان فلاناً نال قصب السبق في لقب "المطرب الأول" أو "المطربة الأولى"، وهو يدري تماماً ان هذا اللقب تحديداً لا يمكن أن يمثله شخص واحد مهما علا كعبه وارتفع صوته وصار من "الأوائل"!!
فكيف ننسى ان هناك مطرباً كبيراً جداً مثل هاني شاكر حين يقول بعضهم ان عمرو دياب مثلاً هو صوت شباب مصر وربما العالم العربي؟! وهاني شاكر حين تقدمه البرامج التلفزيونية أو المهرجانات الغنائية العربية ترفع أمام اسمه لقب "نجم نجوم العالم العربي" وهو لقب قد يرفضه هاني نفسه المعروف عنه تواضعه الجم حتى عندما يثق بنفسه وبصوته وبأغنياته فوق العادة؟!
نفهم من هذه الحقائق الموضوعية أمرين اثنين الأول، هو ان لقب "المطرب الأول" اختلاق، وعرض عضلات فارغ، ولا وجود فعلياً ومنطقياً لهذه التسمية لا في العالم العربي ولا في العالم. فالأول في الفن مسألة نسبية. وفي الذاكرة النقدية العربية ان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عندما كان "المطرب الأول في العالم العربي" كان هناك من يرى في عبدالحليم حافظ هو "المطرب الأول" مع ان عبدالحليم نفسه لم يكن يرغب في تلك المقارنة التي قد تبدأ لكنها لن تنتهي. وكذلك عندما كانت أم كلثوم "المطربة الأولى" كان هناك من يرى في منيرة المهدية أو أسمهان "مطربة أولى" ثم في مرحلة أخرى ربما نجاة الصغيرة "مطربة أولى"... مع ان التاريخ بدأ يحكم بالفوارق بين الأسماء الواردة، وله فقط، القدرة على التحليل الدقيق. والثاني، هو ان كل مطرب كبير أو قدير أو خطير لا يستطيع ان يكون هو الطَرَب، ولا يأن يلغي زملاءه، حتى الصغار منهم قبل الكبار؟!... وان مستوى الأعمال التي يقدمها، صوتياً وشعراً وتلحيناً، وفي مضامينها المتعددة هي المحك، فما كان منها جميلاً ونظيفاً وعميقاً، عاش طويلاً، وما كان هشاً واستهلاكياً وسطحياً مات سريعاً بعد طفرة بمثابة الطفح الجلدي الذي يشبه القشرة!
... وما أكثر القشور الغنائية هذه الأيام!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.