نوّه عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي نصير شمة بموضوعة "الارتجال في الموسيقى الآلية العربية" التي ناقشها باحثون وأكاديميون وموسيقيون في "مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية العاشر" الذي نظمته "دار الأوبرا" المصرية وكانت مدخلاً لجانب من الحفل الذي أحياه الثلثاء الماضي ضمن أمسيات المهرجان. فهو "ارتجل" على أكثر من قالب موسيقي عربي وعراقي بصحبة عازفين عراقيين مغتربين شاركوا في المهرجان ضمن "فرقة المقام العراقي". وذهب الجزء اللافت في عرضه الموسيقي الى "فرقة عيون" التي أسسها صاحب "قصة حب شرقية" منذ اقامته في مصر قبل ثلاث سنوات بالتعاون مع عدد من الموسيقيين المصريين الشبان المأخوذين بنهج آخر يرى في الموسيقى العربية نشاطاً ثقافياً رفيعاً وليس مجرد عرض تسلية عابراً. وفي ارتجاله تداخل مقامي عراقي عبر حوار مع آلة "السنطور" التي يعود تاريخها الى عام 2500 قبل الميلاد. وبحسب اداء العازف وسام العزاوي، وتنويهه بالقيمة التاريخية والفنية لهذه الآلة الموسيقية العراقية انتقلت لاحقاً الى بلدان الشرق كما ثبتها العراقي د. صبحي أنور رشيد، فإن نصير شمة كان، من دون أن يقصد، يلخص واقعاً عراقياً قلقاً: فها هو المقيم في مصر، يحاور العازف المقيم في هولندا ويثني على جهد الاكاديمي والباحث المقيم في ألمانيا!! ومع عراقي مغترب آخر هو عازف القانون جميل الأسدي، قدم شمة ارتجالات مشتركة أصبحت مقطوعة محايثة للمقطوعة الأصلية: "شلالات" التي كتبها وأبدعها عزفاً وتوزيعاً بحساسيته المرهفة وخطواته التحديثية الراحل جميل بشير. وضمن موضوعة "الارتحال" ذاتها، استضاف شمة، عازف العود السوري حسين سبسبي، فالتقت مدرستان في العزف على العود: العراقية وميلها الى التعبير والتصوير، والسورية المتصلة أصلاً بالمدرسة المصرية والمائلة معها الى التطريب. وفي حين ارتجل سبسبي تنويعات على اللحن الأصلي ل"يا مال الشام" كان نصير يصوغ تنويعات على لحن عراقي صميم "فوق النخل". مشروع شمة في صوغ نغم عربي رفيع، يتمثل في "فرقة عيون" التي شكلها في اقامته المصرية مشرفاً على "بيت العود العربي" في دار الأوبرا المصرية قبل نحو ثلاث سنوات. وهو في عمله مع الفرقة ينتقل من صورة عازف العود المنفرد الى فكرة المؤلف والموزع الموسيقي، شيعاً بين أعضاء الفرقة: عمرو حسين رق، صلاح عظمة كونترباص، عماد عبدالمنعم تشيللو، هاني البدري ناي، صابر عبدالستار قانون، نهاد السيد عود، غندور الغندور وسعيد كمال كمان، نهجاً يصوغ حضوراً للموسيقى العربية الآلية من دون غناء، في الوقت الذي يؤكد منتقدون ان الموسيقى العربية مستغرقة تماماً في طابعها الغنائي وأنها غير قادرة على اقتراح انغامها الآلية المجردة. في أعماله لفرقة "عيون" يؤكد شمة على ترسيخ معالم الرصانة والرسوخ النغمي الموروث ولكن ضمن أفق معاصر، يعتمد التعبيرية والتصويرية ومساً خفيفاً بالتطريب. لمسة نصير شمة في أفقها المصري تتضح أيضاً في المستوى الفني الطيب لعازفي "بيت العود العربي" عبر فرقة تشكلت من دارسي فنون العزف على الآلة العربية والشرقية بحسب اسلوب نصير وروحيته. حومع عازفين شبان وعازفات من مصر وعدد من الدول العربية جاؤوا الى القاهرة، أمكن صاحب اسطوانة "رحيل القمر" ان ينوّع مهارات في الاداء جعلت من العود مدخلاً لقراءة عميقة وجديدة للنغم العربي، وقدرة على صوغ مهارات فردية وجماعية في آن عند العازفين، فهم يحثون الخطى نحو مستوى يمكنهم من رفع صورة الموسيقي العربي الشاب.