الرئيس جورج بوش ليس بين ال22 في المئة من الأميركيين الذين تنتابهم أعراض الاحباط، منذ 11 أيلول سبتمبر، والدليل ان معنوياته مرتفعة جداً وهو يواصل حربه ل"انقاذ الحضارة"، متمسكاً ب"القيم الحقيقية" للولايات المتحدة. وهذه اذ يحق لشعبه وحده تحديدها، فسيف "الحرية لكل الشعوب" والتي يفخر بها بوش، بات أقرب الى رقاب العرب، جميعاً: - "القاعدة" وبن لادن = "حزب الله" ونصرالله و"حماس" والشيخ ياسين. - الحرب على الارهاب أميركية، ولا بأس ان يأتي دور لبنان والعراق و... بعد افغانستان. - لوائح الارهاب اميركية خالصة، وكذلك لوائح النزاهة والحرية والأموال النظيفة، التي تغسل أيدي عمالقة الصناعات في الولايات المنكوبة ب11 أيلول، بما فيها مصانع القنابل "الذكية" وقنابل الأطنان السبعة. - معايير السلوك لا بد أن تطور لتتماشى مع العالم بعد 11 أيلول، فلا تبقى محصورة بين دول "مارقة" وأخرى "راعية للارهاب" وثالثة "خطرة" على الأمن القومي الأميركي... بل تشمل معايير سلوك القادة، ولدى مستشارة بوش اللامعة، كوندوليزا رايس أمثولة: الرئيس ياسر عرفات أحد القادة الذين لا يضطلعون بمسؤولياتهم الى الحد الذي يمنحه شهادة "نظيفة" بمراعاة متطلبات الحملة على الارهاب. أكثر من ذلك، عليه ان يتذكر ان "تمثيل الشعب الفلسطيني ينطوي على مسؤوليات"، وكأن هذا التمثيل منحة اميركية! أما الصورة المعاكسة لدى واشنطن فتظهر صورة مشرّفة للحكم الباكستاني، بمقاييس الإدارة: اعتقالات، سحق المعارضة، الاستعانة بأجهزة استخبارات "محترفة" تحمي ظهر مشرّف، اطلاق النار على المتظاهرين لتهدئة الشارع. لماذا في فلسطين لا، وفي لبنان؟ صحيح أن أميركا دخلت عصراً جديداً، والصحيح أيضاً أنها ادخلت العالم في نفق مظلم، اذ تصر على رؤيته بعين واحدة، وبمساحة واشنطن ونيويورك... ودائماً هناك دور بارز للعرب لأنهم الأضعف، وإلا ما الذي يعنيه التحريض على عرفات، والتشكيك في تعاون لبنان والضغط لانتزاع شرعية المقاومة، والتمهيد لنقل مسرح الحرب الى الخليج مجدداً، بإعادة الروح الى جثة "البعبع" العراقي؟ يذكر العالم الذي صُدِم بعاصفة 11 أيلول، قول بوش ان بعضهم في المنطقة تطرّف الى حد خطف الدين، لكن مأساة الرئيس الأميركي ورموز ادارته هي جهلهم ان خطف القارات الخمس وقضايا الشعوب العادلة تحت لواء الحملة على الارهاب، سيؤسس عصراً جديداً للارهابيين وظلامهم وظلمهم. كذلك، جهل الادارة ان القوة التي لا تعرف عدلاً لن تقرّب ذلك الفجر الذي يجعل اميركا آمنة، في واشنطن وكابول وعدن وبيروت والقدس، وادغال الفيليبين وكشمير. ولعل القادة العرب سئموا تقديم النصائح الى آذان صماء لا يريحها سوى دوي "صامت" لصواريخ ومدافع لا يمكن أن تميز بين عدو وبريء، ارهابي وأعزل. وليس من باب الهلع أو التهويل ترقب وضع المنطقة بين أنياب الحرب الأميركية، لأن خيار بوش في الفصل بين الارهاب والسلام لا يدع مجالاً للأمل بتعقل ادارته، والعودة عن قرارها احتجاز جميع العرب في قفص بن لادن. ألا يعني تأكيد واشنطن انها لم تفكر بعد في معاقبة لبنان وسورية على عدم نزع شرعية "حزب الله" كحركة مقاومة وتصنيفه "ارهابياً"، ان هذا التفكير وارد؟ بالمقياس ذاته، لماذا لا يستمر ارييل شارون في معاقبة السلطة الفلسطينية والسعي الى نزع شرعية عرفات، فيما الادارة ذاتها بدأت التشكيك ب"جدارة" الرئيس الفلسطيني لتمثيل شعبه؟!... وبوش لا يكف عن الامعان في محاولة إذلاله، رافضاً منحه "هبة" لقاء، ثم يتساءل عن سبب يأس الفلسطينيين وثورتهم على المجازر الاسرائيلية. اما بصيص الأمل الذي يراه الملك عبدالله ب"نظام عالمي جديد" يولد من رحم الحرب على الارهاب، فهو خافت كثيراً، لا يحجب حقيقة ان ذلك النظام الذي هيمن بعد حرب الخليج الثانية، حصد من آلاف البشر دماء وقوتاً، ووهب الارهابيين أقوى أسلحة الدعاية. وطالما ادارة بوش لا تنصت لنصائح أكثر الأصدقاء اعتدالاً وتعقلاً، مثل السعودية، تبقى الحرب على افغانستان مرشحة لتدشين عصر مديد من الحروب، تحت سيف الحرية الأميركية.