تحاول الدول المشاركة في مؤتمر منظمة التجارة العالمية ان تتجنب "الفشل" الذي لازمها في سياتل، لكن يبدو واضحاً ان توجهاتها متباينة حيال قضايا عدة في صدارتها كيفية تحقيق "التوازن بين الاغنياء والفقراء" وتحرير الخدمات ووضع قوانين استثمارية موحدة تطبقها الدول الاعضاء، كما تبرز قضايا الصحة والدواء والملكية الفكرية بين الموضوعات التي تتصدر اهتمامات "الفقراء"، خصوصاً في افريقيا. ومنذ وصول الوفود الى الدوحة، خصوصاً الوفد الاميركي بدأت لقاءات ومفاوضات جانبية قبيل بدء الاجتماعات مساء أمس، وجرت عمليات تنسيق بين اعضاء التكتلات الاقليمية. وكان لافتاً اهتمام الوفد الاميركي بهذه التحركات والاتصالات التي رأى نائب رئيس المكتب الاميركي للتمثيل التجاري بيترال جير انها تشكل عوامل ايجابية، اذ "تسعى كل الدول الى التوصل الى مسودة اعلان متوازنة تراعي مصالح الجميع"، ويؤشر هذا الكلام الاميركي الى "مرونة" و"محاولة جادة"، حسب أحد المشاركين، لتجنب الفشل خصوصاً ان الأميركيين وعدداً من الوفود الأخرى جاءت الى المؤتمر وفي ذهنها إبعاد ما جرى في واشنطن ونيويورك في 11 ايلول سبتمبر الماضي. وفي هذا الإطار تسعى اميركا وعدد من الوفود الى الاتفاق على جولة مفاوضات جديدة لتحريك الاقتصاد العالمي، حسبما قال المسؤول الاميركي في مؤتمر صحافي "على رغم النزاعات بين اميركا والاتحاد الأوروبي حول قضايا عدة". ويحذر المسؤولون الاميركيون المشاركون في المؤتمر من الفشل ويضغطون من خلال اتصالات جانبية ومشاورات مع الوفود لدفع الاجواء باتجاه "التوافق". ولعل التأكيدات الاميركية الرسمية التي أطلقها نائب رئيس المكتب التجاري ل"فتح السوق الاميركية امام السلع الصينية، تماماً مثل الدول الأخرى، والتعامل مع بكين كشريك تجاري كامل"، تؤشر الى ان واشنطن تضع في أولوياتها الآن، كما قال مصدر اميركي ل"الحياة": "تحرير القطاع الزراعي والخدمات والتسهيلات التجارية". وأوضح المصدر ان زوليك الممثل التجاري اجتمع مع عدد من الافارقة وممثلي الدول النامية وسيلتقي مجموعة الدول الآسيوية. وقال المصدر: "ان الطرح الاميركي مفتوح للنقاش حول القضايا كافة وبينها الزراعة على رغم وجود اجراءات الحماية". وفي هذا الاطار يسعى الاميركيون الى اقناع الأفارقة وآخرين بأهمية تحرير التجارة والتلويح بإعطائهم الأفضلية. وشهدت أروقة شيراتون الدوحة تحركات واجتماعات افريقية مكثفة سعياً الى الاتفاق على مواقف موحدة. وقال مساعد الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية السفير لورانس اغويوزو ان 40 من دول المنظمة حصلت على عضوية منظمة التجارة، وان دولاً اخرى في مرحلة التفاوض للانضمام. وأضاف ان الافارقة ملتزمون قواعد نظام التجارة المتعددة الاطراف أداة لتشجيع التنمية واجتثاث الفقر. ويشكل الدواء، خصوصاً دواء "الايدز" مصدر ازعاج للافارقة الذين يسعون الى "اتفاقية تمكنهم من الحصول علىها بأسعار في متناول الفقراء ليتمكنوا من مواجهة المرض وأمراض سوء التغذية". واذا كانت الاجراءات الأمنية الشديدة تشكل مظهراً بارزاً من مظاهر الحرص القطري على "حماية ضيوف البلاد وضمان أمنهم"، خصوصاً في مثل الاجواء العالمية الحالية التي تشهد مضاعفات الحرب الاميركية - البريطانية على افغانستان فإن الاميركيين المشاركين في المؤتمر محاطون بحماية أمنية لافتة من القطريين ومرافقين اميركيين. وتبدو الصين مرتاحة الى ان الفرصة أمامها مفتوحة للانضمام الى منظمة التجارة العالمية. وقال وزير التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي الصيني تشي تشينغ في مؤتمر صحافي امس ان مفاوضات الانضمام استغرقت 15 عاماً وشهدت الكثير من الصعوبات. وشدد على ان انضمام بلاده الى المنظمة "لا يشكل تنازلاً لأنها تجني مكاسب عدة". وقال ان "سياسة الانفتاح ستشمل تجارة الخدمات والالكترونيات والاتصالات والسياحة والأسواق المالية ما يشكل فائدة كبرى للصين اضافة الى خلق بيئة تجارية مستقرة". واستمرت المؤسسات غير الحكومية بإصدار بياناتها المنددة بسياسات المنظمة، من مركز قطر الدولي للمعارض، حيث يوجد اعضاؤها، ويعكف عدد من "مناهضي العولمة" على اجهزة الكومبيوتر لكتابة تقاريرهم وبياناتهم من خلال استخدام الانترنت الذي وفرته لهم اللجنة القطرية العليا المسؤولة عن الترتيبات. وكان من أبرز البيانات التي صدرت امس واحد أصدره "اتحاد منتجي الحلويات"، في بروكسيل ويعكس الرأي الآخر لمؤيدي العولمة اذ ينادي هؤلاء بعقد جولة مفاوضات جديدة لدول المنظمة ويرون فيها "فرصة وليس خطراً على الاقتصاد العالمي".