أخونا عمرو موسى يقول انه ليست عندنا عشر سنوات أخرى نضيعها في طلب السلام، وفي حين أن المبادرة الاميركية الاخيرة جيدة جداً، في رأيه، فالمطلوب الآن عدم السماح لأي طرف بخطف عملية السلام واجهاضها كما حدث بعد 1990. كنت أحدث الأمين العام لجامعة الدول العربية على الهاتف، بعد أن ضاعت فرصة اجتماعنا في مقر الأممالمتحدة في نيويورك، وهو اعتبر المبادرة الاميركية بداية طيبة جداً، إلا أنه حذر من الدخول في مفاوضات مطولة، نجد في نهايتها أن كل شيء سقط، كما حدث في التسعينات. الأمين العام يصر على أن تكون هناك قراءة واحدة لتقرير ميتشل السناتور السابق جورج ميتشل، فهو اذا تكلم عن وقف الاستيطان، فإن من الضروري وقفه لا الحديث عن جدول زمني لتحقيق ذلك. كذلك لا بد أن تكون هناك ثوابت يجري على أساسها التنفيذ، فوقف العنف يعني أن تنسحب القوات الاسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، خصوصاً المناطق ألف، حتى لا تستفز الناس، والقدس يجب أن تطرح للبحث ولا تترك حتى النهاية، وطبعاً يجب وقف الاستيطان. المبادرة الاميركية أعدت في الصيف، وهذا صحيح. فقد كانت عندنا معلومات سعودية وأميركية عنها، وارهاب 11 أيلول سبتمبر جمد العمل عليها اليوم، إلا أنه جعل الادارة الاميركية أكثر تصميماً على المضي فيها، فهي سمعت مرة بعد مرة منذ 11 ايلول ان الانحياز الاميركي الكامل لاسرائيل هو أهم سبب، وربما السبب الوحيد، لكره العرب والمسلمين هذه السياسة. وهناك مسؤولون في الادارة يعملون لمصلحة اسرائيل وحدها، غير ان الغلبة الآن هي للمسؤولين الذين يريدون القضاء على الارهاب، وأيضاً القضاء على أسبابه، ما يعني العمل لإنهاء النزاع العربي - الاسرائيلي. الفلسطينيون يريدون حلاً، والدول العربية تدعمهم، والادارة الاميركية تريد الحل، غير ان النجاح ليس مضموناً لأن في اسرائيل حكومة عنصرية يرأسها مجرم حرب معروف، وتضم عدداً من القتلة والمتطرفين مثله، والجيش الاسرائيلي يتدخل في السياسة ويحاول فرض حل بالقوة على الفلسطينيين. هناك أدلة ثبوتية على محاولة الجانب الاسرائيلي تخريب محاولات السلام، حتى ان وزير الخارجية شمعون بيريز يبدو كذلك الصوت التوراتي الصارخ في البرية. وهو قدم الى الرئيس عرفات قائمة بأسماء 108 مطلوبين يريد من السلطة الوطنية اعتقالهم فوراً، إلا أن خلافه الأساسي مع قيادة الجيش الاسرائيلي، لا السلطة، وقد اتهم صراحة رئيس الأركان شاؤول موفاز ونائبه موشي يالون بمحاولة تخريب وقف اطلاق النار. بيريز عقد اجتماعاً مع يالون، ثم اجتمع مع موفاز، بوساطة من وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر. وقال الجميع ان الاجتماعين كانا "ايجابيين" إلا أن الجيش الاسرائيلي كان "يفاوض" بيريز ويقتل الفلسطينيين في الوقت نفسه. الواقع ان الاسبوع الذي تلى اجتماع بيريز وأبو عمار شهد قتل حوالى 30 فلسطينياً وجرح حوالى ثلاثمئة، والرقمان هنا هما أعلى من أرقام لضحايا سقطوا في فترة مماثلة منذ بدء الانتفاضة، فالجيش الاسرائيلي يحاول فعلاً تخريب أي محاولة على طريق السلام، وموقفه هذا لم يتغير بعد الاجتماع مع بيريز. وما حدث في الخليل يعكس الاتفاق الضمني بين الجيش وشارون لتخريب جهود السلام. والاميركيون يعرفون الحقيقة، فهناك ممثلون لوكالة الاستخبارات المركزية على الأرض، وقد ضغط الجانب الاميركي على الفلسطينيين لاعتقال أول عشرة مطلوبين من أصل المئة والثمانية، إلا أنه ضغط أكثر على الجانب الاسرائيلي لوقف استفزاز الفلسطينيين، وتوفير حد أدنى من الأجواء التي تمكن الرئيس الفلسطيني من تنفيذ التزاماته المقابلة. والنتيجة ان الحكومة الاسرائيلية لم تجرؤ على نقض وقف اطلاق النار، مع ان شارون كان يطالب بالهدوء اسبوعاً، ثم 48 ساعة، ولم يحصل على هذا أو ذاك. وهو أوقف المفاوضات الأمنية التي رفض الفلسطينيون فيها تنفيذ طلبات اسرائيل. وعمل شارون في الوقت نفسه لإرساء أسس نسف أي اتفاق بالعودة الى سياسة الاغتيالات. الأمين العام لجامعة الدول العربية يقول انه يجب عدم السماح بأن "تخطف" عملية السلام من جديد، غير ان هذه مهمة الاميركيين، فهم وحدهم يستطيعون الضغط على الجانب الاسرائيلي. ويقول الأمين العام انه الى جانب المبادرة الاميركية هناك مساعٍ عربية كثيرة، هادئة ومؤثرة، يجب تفعيلها. وهو يضيف بوضوح ان للفلسطينيين وحدهم حق قبول المعروض عليهم او رفضه، والعرب قبلوا مبدأ الأرض مقابل السلام، ويدعمون المفاوضين الفلسطينيين، إلا أن هؤلاء يبقون الطرف الأساسي، وأصحاب القضية والقرار. الوضع ينتظر نتائج الحرب المقبلة على طالبان وأسامة بن لادن والقاعدة في أفغانستان، ودور العرب المساند فيها، والأميركيون يقولون ان اطلاق النار لم يتوقف، والحكومة الاسرائيلية الائتلافية غير مؤتلفة، والسلطة الوطنية لا تملك السلطة أو لا تمارسها. غير انهم لو انتصروا في الجولة الأولى على الارهاب في أفغانستان، فهم سينشطون لحل النزاع العربي - الاسرائيلي، والمهم ألا ندخل في متاهة سنوات عشر أخرى، يخطف فيها الاسرائيليون وأنصارهم في الولاياتالمتحدة عملية السلام مرة ثانية.