ثمة إيقاع كارثي على هذه الأرض... حيث تتبدّى نذر قياموية ابتدعتها إسبارطة/ إسرائيل العنصرية الإرهابية... لم تعد الأمور عادية تماماً... هادئة وادعة، كل شيء يقف على رأسه في سياق انقلاب كوني تأخذ بلادنا محوره الأساس ونقطة ارتكازه... الزيتون الرومي لم يعد، ايضاً، مثلما ألفناه وعرفناه صغاراً، نحن سليلي الجذور والأنساغ، لم يعد ريّاناً يطفح بالخضرة يكاد زيت ناره يضيء ولو لم تمسه نار... ونحن ابناء هذه الجبال التي نهوى والتراب الذي يغلي نسوّر يخضور بيحمور دافق وهّاج... يمور من خلل الأجساد المقذوفة على نيران الغزاة ومجنزراتهم، عودة الحياة ومدلولاتها... بيت ريما، النائمة في بطن الجبل المقابل ل"دير السودان" قريتي، تناهبتها خفافيش تلك الليلة الليلاء... حال من الرعب والظلام توزعت على الأشياء والأطفال والوديان... عشرة زنابق لمّا يزل دمها الوردي مرشوشاً على الخروب وجذوع الزيتون وعتبات البيوت... بعد رحيل القتلة عن القرية المنهوبة والمسفوك هدوؤها ذهبنا للمشاركة في تشييع السادة الشهداء. على مدخل القرية بقايا ملابس تنكرية تستّر بها القتلة... وعلى يسار الطريق هناك في مدخل القرية بقرب جدار حجري بقايا جمجمة ونثار ادمغة مصبوغة بالتراب المشتعل والقتل العمد... آلاف من غير قرية توافدوا وسكون رمادي تسلل لحدقات العيون وللأكف التي تخاصر الذهول والتحديق في البعيد... الجريمة فوق اللغة، والكلام فضيحة في مثل هكذا موقف! البعض باغته الرصاص الغليظ من الطيور الحديد البشعة التي تبصق حمم موتها وقتلها ويخرّق رصاصها الأسود جذوع الشجر والبشر، والآخر ثقّبه ونخّله النمل الأسود الذي يتسلل من خلف التلال الخضر ليزرع فاشيته وإجرامه في الأزقة وساحات مساجد القرية والمفترقات التي ضمّت الشهداء وحنت عليهم "حنو المرضعات على الفطيم". يوارى الشهداء الثرى وتنوح قوى بكاملها ويئن الزمان والمكان فوق مراقدهم المشعشعة، نودّعهم والقلوب ترشح وجعاً وبكاءً مراً جرّاء غض طرف ابناء العمومة والأقربين والأبعدين... نتساءل عن ذلك الفتى عبدالمعطي الذي عفّروا كتبه المدرسية ولم يمنحوه مهلة الالتحاق بالجامعة اسوة ببقية زملائه... مقعده الدراسي الخالي سيبقى ندّاهة الطفولة المغدورة. وزملاؤه اليوافع والنوابت الصغار كيف سيكملون عامهم الدراسي وتبقى ذاكرتهم يانعة مطمئنة!! من شرفة منزلي أطلق عيني المصقّرتين الى تلك الجبال التي تحتضن بيت ريما شقيقة الحزن والنهب... التي لم تعط ساعة لتنام مكللة بالغار وشقائق النعمان والنعاس الخفيف... القرية المذبوحة قصداً، والتي زفّت سلامتها للأعالي... أطلّ على القرية المخدوعة والمطحونة كسير الفؤاد دامع القلب، وأجهش باللغة، بيت ريما، والسادة الشهداء بأي ذنب قتلوا؟! ....