حملت اليّ الفنانة ريم بنّا، من الناصرة الى عمان، حفنةً من تراب فلسطين وبعضاً من زعتر الجليل، فكانت هذه التحية الى مبدعة مناضلة تواجه خبيثين معاً: المحتّل الإسرائيلي والمرض بإرادة صلبة وبابتكار غنائي يكثر عشّاقه في أرجاء كثيرة من العالم، خصوصاً حين تصير الأغنية شكلاً من أشكال التمسّك بالهوية الوطنية والمجاهرة بها: ليتني كنت مطرحك ليوم أو أكثر لعمر أو عمرين ليتني أموت لأولد جديداً من جديد ليتني كنت مطرحك أنتظر عند الحاجز العسكري مع المنتظرين أحمل عنك متاع المشقّة والحنين أرمق الجندي بشرر/ أرشق الدورية بحجر أطير كالفراشة في ربيع صادرته الطائرات ليتني كنت مطرحك أحمل عنك قليلاً هذا الصليب أتحمل بعضاً من غلاظة الجند المدججين أطعن هواء الاحتلال بخنجر التراب. لكن كيف لك، كيف لي المرور قرب بيتك/ قرب بيتي كالغريب هذا السور سيّجته جدتي براحتين من حبق هذا الزيتون باركته صغيراً بأحرف البراءات والقبل مرّ قبلي أهلُ اهلي سهروا تحت قمر دامع العينين توارثوا الشعر، الصبر، الضجر، الألقاب ومفاتيح البيوت التي وقعت على ذكريات الأحبة أطلقوا على الهضاب والأشجار أسماء صغارهم واستعجلوا قدوم مطر أنيق. كيف نبت الشوك في أكفّ القرى/ تبدلّت اسماء الشوارع والحارات صار العَلَمُ غريباً الى هذا الحد/ مسدساً يثقب الفضاء لمَ لا نسمي القرى بأسمائها الحسنى لمَ لا نزفّ العشب لغيم العذارى. وجه مَن في البطاقة الزرقاء/ وجه مَن في المرآة أكان عليّ البكاء لأعرف نفسي أكان عليّ الغناء لأُشهرَ لغتي هنا حيفا، هنا يافا ومريم الدائمة هنا الناصريُ ونجمةُ القوافل هنا فلسطين : «كانت تُسمى فلسطين، صارت تُسمى فلسطين» غنّي في غنائك ماءُ زهر وعندليب في غنائك نضارةُ الطين غنّي ليرتجف الجندي تحت خوذته أو ينتابه الحنين الى بلاده البعيدة لا ذاكرة له هنا ولا ذكريات، لا أهل له لا بلاد إذن، لمَ يقف خائفاً خائراً شاهراً بندقيته في صدر أغنية مَن دعاه الى ميعاد الردى على أرض تضيق بغير بنيها ما الذي يظنه سكان المستوطنات والمجنزرات ما الذي يظنه المقيمون في خوفهم وأضغاث أحلامهم هذي البلاد نحفظها غيباً كالصلاة هذي الجبال تعرفنا كأثداء الأمهات نحن هنا، أنت هنا ثوبك الجليليُ مشنشلٌ بالموسيقى التراب في كفيّك قمحٌ والأغاني في فمك ياسمين لا الرصاصةُ تقتل فكرة لا السيّاف قادرٌ على جزّ عشب الشهداء كلّما نبت الشوق كالدوالي تسدّين ثقوب الصدر بضحكة من سنونو برقّة أوجاعك تبددين كآبات منتصف العمر بيدين مطمئنتين تمسحين عرق الاحتلال عن جبين دولة مؤجلّة... حتى يحين زهر الغضب. * العبارة بين مزدوجين من محمود درويش