موسيقار... هو اللقب الذي أطلق على الموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب. ولكن اليوم، نجد في الساحة الفنية العربية من يُطلق على نفسه لقب "الموسيقار" من دون أي حرج، ومن دون اعتبار مدلولات هذه الكلمة. أولاً من الناحية اللغوية، وثانياً من الناحية العملية. كما وأن الألقاب "الموسيقية على الأقل" لا تؤخذ بل تُعطى، بناء على التاريخ الفني للشخص المعني، وابداعاته وعطاءاته في عالم الموسيقى وما يتصل به، وما يتفرع عنه. دعونا نعود الى لقب "الموسيقار" ومدلولاته اللغوية. لعلنا بمطالعتنا مصادر اللغة العربية القديمة، لم نجد أي أثر لكلمة "موسيقار"، بل جُلّ ما وجدناه، هي كلمة موسيقي أي العامل في صناعة الموسيقى أو الضارب على الآلات الموسيقية. إذاً من أين أتت هذه الكلمة؟ المصادر اللغوية الحديثة، وردت هذه الكلمة "موسيقار" كلفظة مستحدثة. وطبقاً لهذه المصادر أيضاً، فالترجمة الحرفية للكلمة باللغة الانكليزية وردت هكذا musician-romaest الأولى تعني "قائد الأوركسترا" والثانية تعني "موسيقي". استطيع الجزم هنا بأن معنى كلمة موسيقار كما نفهمها نحن، لا يمكن ان تكون قائد أوركسترا أو موسيقياً" والا لأصبح لدينا من حاملي هذا اللقب في عالمنا العربي أعداداً أكثر من الذين لا يحملونه. إذاً لم يبق أمامنا من سبيل للوقوف على المعنى الحقيقي للكلمة، إلا من طريق المطابقة العملية لكل من يقع عليه هذا اللقب ومقارنته مع من سبقه اليه بجدارة، ولا يتم الا من خلال استعراض ما أنجز هذا "الموسيقار المشروع" وما قدّم من جديد وقديم، في عالم الموسيقى الدائم التطور. الا عندها فقط نصل الى مقصدنا في اعطاء لقب الموسيقار لمن يستحقه حقيقة. إذاً نحن نشير هنا الى الدلائل العملية، مما يقودنا بطبيعة الحال الى الاستدلال بالموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، ليكون لنا النموذج المفترض، وهو صاحب الانجازات الموسيقية التي أعطته، دون سواها هذا اللقب. فبقدر اقتراب المرشح لحمل لقب "موسيقار" من انجازات مشابهة "من غير ان تكون متطابقة" بالضرورة مع انجازات عبدالوهاب، يكون هذا المرشح قد اقترب من الهدف. فاللقب ليس مجرد كلمة نتفاخر بها في المجالس والمجتمعات، انما هو وبكل تأكيد عبءٌ ثقيل يوضع فوق كاهلنا ليثقلها بالمسؤولية الحافلة بالمنجزات داخل مجالات اختصاصنا. ان الموسيقار محمد عبدالوهاب، وخلال مشواره الفني الطويل، لم يترك ضرباً من ضروب التلحين إلا وزاوله. فمن تلحين الطقاطيق، الى الأدوار والمواويل، مروراً بالأغاني والقصائد على أنواعها، المعروفة والمشهورة والمرددة على كل شفة ولسان... ومن الأناشيد الوطنية الجميلة التي رافقت أجيالاً وأجيالاً، يحضرني منها هنا، مثالاً لا حصراً "النيل نجاشي" لأحمد شوقي، و"مصر نادتنا" لمحمود حسن اسماعيل، "ونشيد القسَم" وسواها... أما الحانه المفعمة بالحركة، فهي بالعشرات وما زالت تداعب احاسيسنا ومشاعرنا. وأذكر منها كمثال "عزيزة"، "موكب النور"، "لبنان"، "عش البلبل"... الى ما هنالك من ألحان. وان أطلت فسأطيل الشرح وان افضت بالكلام فسأفيض به. ذلك لأن نتاج عبدالوهاب غزير، وتنوعه ليس بالأمر اليسير ناهيك بأننا في بحثنا هذا نتطرق أساساً للقب، لذا فسوف أكتفي هنا بالإشارة الى تنوع مصادر عبدالوهاب الفنية. وأضيف بأنه لم يتخذ من تراثنا العربي الشرقي العريق زاداً وحسب، بل وجدناه أيضاً ينهل من مصادر الموسيقى الغربية من دون الغرق في تغريب موسيقاه، وهو في هذا المضمار يعتبر رائداً في هذا المجال. كما نجده في أكثر من مناسبة يعمد الى ضم آلات موسيقية من الحضارات الأخرى الى فرقته الموسيقية، وذلك من دون أدنى خوف أو وجل. ويضيف أيضاً الى الأوركسترا "الغناء الجوقي" ذي الأصوات المتعددة الطبقات" ذلك ان الرجل كان واثقاً من فنه ومطمئناً الى عمله. بحث وجدّد، ليترك لنا ميراثاً غنياً زاخراً بكل ما يخطر في البال من ضروب الموسيقى والغناء. انه الموسيقي المبدع المعطاء، انه الملحن المتمكن الفذ، انه الباحث أبداً عن كل ما هو جديد، المبتعد دائماً عن التكرار الممل، الرافض جعل فنه سلعة رخيصة يتشدق بها أمام رواد المطاعم... انه إذاً من يستحق أن ينادى باللقب. انه الموسيقار. لا نشك أبداً، بأن بوابة الدخول الى لقب "الموسيقار" واضحة جلية لكل من يريد الولوج الى عالمها، أبوابها مشرعة غير موصدة في وجه أحد ما دام يملك حق الدخول. فرحمة بنا أيها السادة، ورأفة بمن تبقى من الحريصين على التراث الموسيقي الإنساني وتطوره. نقول: قليلاً من الموضوعية، وكثيراً من الحذر. لا تلقوا بالألقاب جزافاً، ولا تدّعوا ما ليس لكم به من علم. فليس كل ما يلمع ذهباً" وليس كل موسيقي... موسيقاراً.