نتعرض، نحن المقيمين خارج البلاد، لغوايات التمثيل والرمز. الآن أكثر من أي وقت مضى يريدون مساءلتنا واستطلاعنا كممثلين ورموز لمجتمعاتنا من أجل فهم هذه المجتمعات المستعصية: أنتِ امرأة عربية من الشرق الأوسط "لكنك" منفتحة تعملين وتكتبين، فهل لك ان تشرحي لنا سبب هذا العنف، كل هذا العنف، ولا نريد أن نقول الحقد، ضد ثقافتنا، ضد مبادئنا الانسانوية، ضد رغبتنا في رفع الكرامة البشرية وضد الحرية بشكل عام؟ أنت مثقف عربي من الشرق الأوسط لكنك "مندمج" في مجتمعنا. تأكل الكسكس يوم الأحد مع العائلة، ورغم كونك مؤمناً إلا أنك لا تذهب الى الجامع يوم الجمعة ولا تتوقف عن الحركة لتصلي الركعات الخمس. وأنت تتكلم بعربية مطعّمة جميلة، لا بتلك العربية التي تعادل اليونانية القديمة بالنسبة اللغة الفرنسية. ما هو رأيك بما يقال من أننا نشهد اليوم إسلاماً قوياً في دولة ضعيفة كما يقول المفكر الفلاني؟ أنت شاب أسمر جميل، عربي من الشرق الحالم، تمارس الرياضة لكي تُخرج كل العنف من داخلك و"تندمج" فينا. ما رأيك في حقنا المطلق في تفتيشك بكل احترام حوالى عشر مرات في اليوم مع حفظ حقك في الحركة، الى أن نطبق على جميع المهاجرين ذوي الأصول "السمراء" جملة من القوانين الجديدة التي يدفعنا اليها، مجبرين، كل ذلك العنف - ولا نقول الحقد - على حضارتنا الانسانوية التي استقبلت كل هؤلاء الجائعين والهاربين من بلدانهم. ما رأيك، من دون أي ضغط عليك، في أن نستقبل نحن أناساً لا تحتملهم بلدانهم التي انجبتهم؟ أنت فتاة سمراء جميلة من الجيل الثاني. لا تحبين أبداً العودة الى بلاد أهلك ومعك حق، ولا تحبين أبداً العمل حتى لا تعارضي رغبة والدك في البقاء في البيت، ومعك حق، خاصة أننا نحترم الخصوصيات الثقافية. ما رأيك وأنت تنتظرين العريس إذا ما تقدم لخطبتك شاب اسمه عمر بن لادن؟ هل تقبلين به؟ وهل ستختارين ثوب الزفاف الأبيض - ولك مطلق الحرية في الاختيار بحسب حضارتنا - أم الثوب النسائي الأفغاني الأزرق ذا الشباك الصغير؟ أنت عامل متواضع من آسيا الوسطى. حسناً فعلنا أننا استقبلناك وعائلتك خاصة وانك لا تحمل ندوب المستعمر، فنحن لم نستعمر بلادك بل الآخرون. استقبلناك - غير نادمين - ليس بسبب الأجر المنخفض ولا بسبب التكفير عن جرائم الكولونيالية اذاً. نود ان نسألك وأنت مبسوط في ما بيننا: هل سيطرأ عليك تغيير ما غير متوقع فتجد نفسك محزّماً بالانتراكس أو الديناميت قرب أحد مصانعنا النووية... ثم ما رأيك بمستقبل جمهوريات آسيا الوسطى ربطاً بمستقبل ظاهر شاه؟ وبحسب ثقافة ومطبخ بلادك هل من علاقة بين طالبان وما يأكله البشتون؟ و... سؤال أخير: اذا كانت الديموقراطية هنا، والديكتاتورية هناك، فلماذا قد تضرب هنا وليس هناك؟ *** - تدخل الأخطاء في نسيج الحياة. هل يمكنك تصور الحياة تسير هكذا كالساعة المضبوطة، كقطار لا يحيد عن سكته أو يخل بمواعيده ولو لثوانٍ؟ هل يكون العيش محتملا لولا الأخطاء؟ - لا، طبعاً لا. لكننا نفضل اخطاءنا على أخطاء الآخرين. ثم ان أخطاء الآخرين تجعلنا أقل رحمة. انها تجعلنا أكثر رأفة بأخطائنا... وقد تذهب هذه الرأفة حد الغفران لأنفسنا. - اذّاك لا تعود الرأفة بالنفس والغفران سوى رغبة عميقة بالانتقام، سوى شعور بالعدائية ينتظر كامناً حتى تحين فرصة. انه يزيد اخطاء على اخطاء، يجعلنا نقارع بأخطائنا أخطاء الآخرين. - صحيح هذا ما نفعله... لكن هذا ما يفعله الآخرون ايضاً. ولهذا لن تنفك الحروب عن مسار البشر. هكذا، طبيعياً، ننتصر لأخطائنا وينتصر الآخرون لأخطائهم. اما هؤلاء الذين يتعذبون لرؤية اخطاء الذات - هؤلاء الذين ينكبّون على اخطاء عشيرتهم وأهلهم - فهم الفلاسفة والأتقياء المصلحون. انهم قلة القلة. ومثل هذه القلة لا يجيّش جيشاً ولا يقود حرباً. وقد يستأنس جمع ما في أفكاره بعد دفن القتلى ورفع الأنقاض لكن هذا الجمع لن ينقاد له كما تنقاد الجموع التي تحارب بأخطائها أخطاء الآخرين. سيبقى نازلاً في أهله كالضيف أو كالغريب.