تنظم منطقة "سين - سان دوني" شمال شرقي العاصمة الفرنسية باريس، تظاهرة كبرى تكريماً للثقافة العربية ما بين تشرين الأول اكتوبر الجاري وكانون الثاني يناير 2002. ويأتي هذا التكريم اغناء ل"معرض كتاب الشباب"، الذي ينظمه الإقليم دورياً، ويستضيف هذه السنة كتّاباً عرباً تحت شعار "آداب العالم العربي" ما بين 28 تشرين الثاني نوفمبر و3 كانون الأول ديسمبر المقبلين. ويظهر ان الإرادة السياسية للمشرفين على سين - سان دوني اتجهت نحو توسيع تظاهرة المعرض الدوري في الزمان والمكان، لكي تغطي النشاطات مختلف المدن طوال ما يناهز اربعة اشهر. وهي إشارة ذات دلالات يرسلها الفاعلون السياسيون والثقافيون في إطار رد فعل ايجابي على ما يتهدد هشاشة التعايش مع الجاليات العربية المقيمة في فرنسا، اثر الزلازل التي أعقبت انفجارات 11 ايلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة الأميركية، وما رافقها من حملات عدائية ضد العرب والمسلمين. خصوصاً اذا علمنا ان سين - سان دوني يتشكل من مجموعة من المدن المعروفة بكثافة ساكنيها من اصول عربية في ما يسمى ب"ضواحي باريس". ولعد حشد عشرات الكتّاب والفنانين والمبدعين العرب في تظاهرة من هذا العيار، تكرّم وتحتفل بالثقافة العربية، ليس سوى إشارة الى ضرورة الحوار والتلاقح الثقافي، والتعرف الى "الآخر" بلا تراتبية أو استعلاء، لأن تكريس قيم الحوار والتسامح والتلاقح والانفتاح "بعيداً عن اي مجاملة فولكلورية بين الأصالة والمعاصرة" - كما يقول المنظمون - هو المفتاح السحري للتعايش والاستقرار. ويضم الإقليم مجموعة من المدن وهو جزء من منطقة "ايل دو فرانس" التي تضم باريس وسبعة اقاليم مجاورة ويتشكل الإقليم من حوالى عشرين مدينة ابرزها "سان دوني" و"أوبير فيليي" و"بانتان" و"سانت وان" و"ايبيني سيرسين" و"بوبينيي"... وهي معروفة كلها بسكانها المتحدرين من اصول مغاربية، ومشهورة بكونها من اكثر مناطق التوتر حساسية لجهة ظاهرة العنف في فرنسا. وتحت شعار "أرابيسك" تنطلق تظاهرة "سين - سان دوني" في ثلاثة محاور، يضم المحور الأول ندوات وأمسيات ولقاءات مع مبدعين عرب يكتبون بالعربية أو بالفرنسية فضلاً عن مبدعين فرنسيين كتبوا للثقافة العربية. أربعون كاتباً يشهرون كتبهم وأصواتهم في خمس عشرة مدينة. وينال أدباء الجزائر نصيب الأسد في التظاهرة، بحكم الروابط المتينة والمركبة التي تربطهم بالثقافة الفرنسية. وهكذا نجد في صف ورثة محمد ديب وكاتب ياسين وجمال الدين بن الشيخ وبو علام حنصل، ونبيل فارس، وأنور بنمالك وعزيز شوقي، وسليم باشي، وحوا جبالي، وعبدالقادر الجامعي، وفلاغ، وغانيا حامادو، وتاديست ايماش، ومحمد قاسمي، وزينب العابدي وليلى صبار. بينما يمثل كتّاب الجزائر بلغة الضاد كل من واسيني الأعرج وأمين الزاوي. من سورية يحضر فاروق مردم بك، منسق التظاهرة، وأدونيس وسلوى النعيمي، ومن العراق عبدالقادر الجنابي ودنيا ميخائيل وجبار ياسين حسين، ويمثل المغرب عبداللطيف اللعبي ومحمد برادة، ولبنان هدى بركات وياسمين خلاط، بينما يمثل تونس امل موسى وسيرين، وفلسطين الياس صنبر، والسعودية احمد أبو دحمان وليبيا ابراهيم الكوني. "تحت ضوء الليالي" هو شعار المحور الثاني من التظاهرة المخصصة لثمانية رواة يقدم كل منهم بطريقته وأسلوبه الفردي روايته ل"ألف ليلة وليلة"، كتحية لهذه القصص التي تضيء الثقافة العربية والإنسانية في كل العصور. وافتتحت التظاهرة بقراءات من "ألف ليلة وليلة" لآباء برفقة ابنائهم ركبوا قطاراً ينطلق من "محطة الشرق" في باريس الى "محطة الشمال" ومنها الى "نوازي لوسيك" يوم السبت 20 تشرين الأول الجاري يرافقهم الراوية "حامد بو زيد" منسق التظاهرة. ويشارك في الحدث فنانون من بلدان وآفاق مختلفة. المحور الثالث مخصص للمعارض والورش الفنية والأفلام والحفلات الموسيقية، وقد أعطاه المنظمون اسم "بالصور والموسيقات" ويهدف الى "اكتشاف ثقافات العالم العربي من ابواب مختلفة، وخلق حوار بين شتى الأشكال الفنية". يشمل المحور معارض فنانين مثل غالي علني من العراق ومحيي الدين العبد من مصر، وكامل خليفي ورشيد قريشي من الجزائر، وحسان موزة من السودان وفلورانس مياله من فرنسا. كما يشمل "معارض تيماتية" منها معرض "نحن الموروس" و"أبجدية الرمال" للتونسيين أسماء وناصر لخمير. ومعرض "باريس للكتّاب المغاربيين" وهي نزهة إبداعية في اعمال مالك حداد، وألبير ميمي، وعبدالوهاب المؤدب، وادريس الشرايبي وعبدالقادر خطيبي والطاهر جعوط والطاهر بن جلون، من خلال صور بالأبيض والأسود التقطتها الفنانة مارتين فوايّو. وثمة معرض عن الأندلس ومعرض "الأدب العربي" و"الخط العربي" علاوة على معرض يحمل عنوان "الشرق الرائع". في مجال الأفلام يتم عرض "حكاية جحا" وهو شريط رسوم متحركة انجزه المخرج الجزائري فريد بوجلال، كما يجري عرض مجموعة من الأشرطة الوثائقية للمخرج الجزائري مالك بنسماعيل تحت عنوان "نظرات على الجزائر المعاصرة/ نظرات معاصرة على الجزائر". ومن بين هذه الأفلام: "عطلة رغم كل شيء" و"بو ضياف، اغتيال امل" و"ديسيبليد". كما يقدم فيلم "امرأة سيارة اجرة في سيدي بلعباس" لبلقاسم حجاج و"الجزائر، اطفال يتكلمون" لكريم دحان، و"أكتب إليك رسالة سيدي الرئيس"، لآلان طيّب. اما الحفلات الموسيقية فتحاول تكريس الحوار الموسيقي "بين الشرق والغرب ومن ضفة لأخرى" من خلال حفلة فريدة يمتزج فيها الطرب الأندلسي بالجاز المعاصر والصوت الغربي بالمقامات الشرقية، يحييها الفنان التونسي سفيان نِغْرا والفنانة الفرنسية اليزابيث جيلي، علاوة على ذلك تشهد مدينة "بوبينيي" يوم 30 تشرين الأول سهرة للفن الشعبي الجزائري.