عقد في لاهاي الاسبوع الماضي مؤتمراً دولياً لتقوية العلاقات الاقتصادية بين العالم العربي الاسلامي والمجتمع الدولي، انتهى الى تكريس التحكيم كأساس لفض النزاعات وتعزيز دور الدول النامية. وعلى رغم ان عنوان الابحاث التي انجزت للمؤتمر الخاص بتمتين العلاقات بين العالم العربي والشركاء الدوليين عبر الاعتماد على مبدأ "التحكيم" الا ان احداث 11 ايلول سبتمبر عكست نفسها بقوة على المداخلات وحدت بالمساهمين الى الخروج في احيان كثيرة عن النص المعدّ سلفاً. وكان المؤتمر حشد خبراء عرباً واجانب لهم دور رفيع في النشاط الدولي لتكريس القانون والتحكيم كصيغة اساسية للتعامل في المجالات والتجارية. يذكر من المساهمين جاكو فان دين هاوت الامين العام للمحكمة الدولية للتحكيم التي تتقاسم مقرها مع محكمة العدل الدولية، ورينو سوريل رئيس القسم القانوني في مقر الامانة العامة للامم المتحدة في جنيف وبيتر فان دين بوشي المستشار لمنظمة التجارة الدولية ومن الجانب العربي البروفسور محمد ابو العينين الامين العام للاتحاد العربي للتحكيم الدولي والدكتور عبدالحميد الاحدب رئيس الجمعية العربية للتحكيم في باريس. وجاءت مبادرة عقد المؤتمر من الامير بندر بن سلمان آل سعود الدكتور في القانون الدولي والاستاذ في جامعة اوكسفورد وهو يشغل منصب رئيس فريق التحكيم الدولي في المملكة العربية السعودية. وعلى رغم الظلال التي تركها الملف الافغاني على المسرح الدولي وملف العلاقات بين الدول الاسلامية والعالم الا ان المؤتمرين نجحوا في ابعاد الجدل والمداخلات في مستويات متخصصة ومهنية، وطرحوا المفاهيم المختلفة للمقتربات التحكيمية في عصر المعلومات وفي ثلاثة محاور على وجه التحديد هي: التجارة الالكترونية عبر شبكة الانترنت، حسم المنازعات، وضمان الاستثمارات. ونجحت المساهمات في تجاوز الطبيعة التقنية والاقتصادية لهذه المحاور، الى السعي الى تلمس العقبات الرئيسية التي تعترض تطوير التجارة الالكترونية ووضع حلول مناسبة لفض النزاعات المترتبة عن هذا الشكل الجديد في التعامل الدولي. واثبتت مداخلة الدكتور ابو العينين عدم تعارض النصوص الاسلامية والشريعة مع حرية التجارة بمفهومها الدولي العام. وقدم ابو العينين في دراسة للنص القرآني والحديث النبوي الشريف والممارسة التاريخية اضاءات كافية على التوافق مع القانون الدولي. ونجح في ربط النص الاسلامي التاريخي بالتشريع الدولي. واوضح عبر سلسلة من النصوص الثابتة التطابق الكبير بينهما. وفي مداخلته، حدد عبدالوهاب الباهي رئيس المركز التونسي للتحكيم والمصالحة المصاعب التي تواجه الدول العربية والعالم الاسلامي لتطوير الاشكال الحديثة للتجارة لا سيما التجارة عبر الانترنت، مشيراً الى ان الافتقاد الى الخصوصية والسرية في مقدمة العوائق. وعلى صعيد السرية الشخصية، قال الباهي انه ما لم يتم التأكد من سرية المعاملات التجارية على شبكة الانترنت وحمايتها، فإن الوكيل التجاري والمالي في العالمين العربي والاسلامي سيبقى متردداً في اعطاء ثقته الكاملة لهذا النوع من التجارة. ومع الاتجاه الحاسم لدعم التحكيم كوسيلة اساسية لفض النزاعات، الا ان الجانب العربي الاسلامي اثار جملة من التساؤلات حول الطريق التي يجرى بها. وأول هذه التساؤلات يتعلق بالتركيبة القانونية للتحكيم ومضمونه بما يجعله في مصلحة المستثمر الغربي اكثر منه لمصلحة الدول غير الغربية. وتطرق الدكتور عبدالحميد الاحدب الى الاعتقاد القائل بأنه "على رغم التقدم الحاصل في التشريعات المتعلقة بالتحكيم، الا انه لا يزال اداة "لعدالة اجنبية" مشيراً الى انه لذلك، فإن الحالات التي جرى قبول التحكيم فيها من قبل الدول النامية كانت نادرة.