في الأزمة الراهنة، نجحت إيران في تبني خطابين في آن. ترى أن الحرب على الإرهاب "ضرورية ومبررة"، وتستدرك ب"لكن أميركا تستخدم أساليب غير مقبولة، وتتبع تكتيكاً يؤدي إلى سقوط ضحايا". واشنطن غير معنية بهذا الاستدراك أو التناقض الظاهري في موقف السياسة الإيرانية، ويكفيها الشق الأول في موقف طهران الذي يبرر الحرب ويرى ضرورتها. ولكن على رغم نجاح إيران في الاحتفاظ بموقفين من الحرب، لا تزال غير قادرة على الانسجام مع الحلول المطروحة للحكم المقبل في أفغانستان. طهران ترفض أن تضم الحكومة الأفغانية المقبلة ممثلين معتدلين عن حركة "طالبان"، بحجة أن للحركة "ماضياً أسود". والواقع أن رفضها نابع من دوافع طائفية صرفة، ولا علاقة لماضي "طالبان" أو حاضرها بالموقف الإيراني، فضلاً عن أن "الماضي الأسود" الذي يتحدث عنه الإيرانيون ينطبق على كل الفصائل الأفغانية المتناحرة، وأنظمة أخرى مجاورة لأفغانستان. و"تحالف الشمال" الذي تسانده الحكومة الإيرانية له ماض أسوأ من ماضي "طالبان" في انتهاك حقوق البشر ورعاية الإرهاب خلال وجوده في الحكم. لا شك في أن تلويح طهران بسمعة "طالبان" كلمة حق يراد بها إضعاف الغالبية في الحكومة المقبلة، ويتناقض مع مصالح باكستان الحليف الأول لواشنطن في هذه الحرب. وإعطاء طهران موطئ قدم في أفغانستان في مقابل تأييدها الحرب على الإرهاب، ثمن لا تستحقه إيران التي يمكن أن ترضى بشطب اسمها من ملف الإرهاب، ونسيان ماضيها في هذا المجال. الأكيد أن قيام تحالف يعتمد توازنات طائفية سيدخل أفغانستان في حرب أهلية جديدة، ويعطي الأقلية أكثر مما تستحق، بالمقاييس الموضوعية والديموقراطية، فضلاً عن أن واشنطن لم تضحِ بشبابها، وتحرك أساطيلها، وتفتح خزائنها، لتعيد أصحاب العمائم إلى السلطة، بخاصة أصحاب العمائم السود منها، وتدرك أن حكومة تستمد شرعيتها من توازنات طائفية، ستناصب الديموقراطية العداء، وتبقى مشدودة إلى فكر التطرف وإقصاء الآخر.