تتحدث هوليوود عن التحوّل من أفلام "الأكشن" والعنف الى أفلام العاطفة والضحك والكثير من الموسيقى. هذا ليس من أجل إصلاح صورتها في العالم، وليس رداً على اتهامها بترويج العنف والقتل، بل لأنه حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية أن لجأ المشاهدون الى الهروب صوب الأفلام الخفيفة والضاحكة والتي تغني وترقص! وفي ظل الحرب الحالية، كما يتراءى للبعض، فإن ما سيطلبه الجمهور لاحقاً وبسرعة هو الهروب الى مثل هذه الأنواع. الواقع، إذاً، هو الحرب والدم والعنف، والخيال، بالتالي، هو كل شيء آخر... مجرد كلام ثرثرة من ثرثرات المدينة حين تريد أن تفكّر في أن لديها مسؤولية وطنية تجاه الأحداث والشعب الأميركي، لكن لا أحد يعرف تحديداً ما الذي يريده الجمهور. في الأربعينات، لم تكن هناك أجهزة تلفزيون ولم تكن هناك سرعة الضوء في نقل الأحداث وأخبار الجبهات وما يحدث في أركان الأرض الأربعة. لم يكن العالم قرية - ويا لحظ من عاش تلك الأزمنة! ايضاً لم يكن صعباً على استوديوهات هوليوود أن تغير مسارها سريعاً. كانت تنتج نحو 600 فيلم وأحيانا أكثر في العام الواحد من كل الأنواع. معظمها كان يصوّر ويُوَلّف من شهرين الى ثلاثة، واذا ما قال الجمهور انه يريد أن يضحك فإن قراراً بذلك لن يكلف هوليوود الكثير. لكن الحديث عن تيار سيخلف تياراً في هوليوود يعود بالطبع الى العمليات الإرهابية التي تمّت في الحادي عشر من الشهر الماضي، ومن ثم الى ما تبعها من توتر ودخول أميركا الحرب. وهذا مفهوم. افلام الإرهاب تصوّر دائماً الأميركي ذاته ضحية محتملة. الآخرون: ايرلنديون، عرب، روس، كولومبيون او خليط من كل هؤلاء، هم الإرهابيون وهم دائماً ما ينجحون في مطلع الفيلم ويخفقون في نهايته. الحال العامة لا تتحمّل مثل هذه الألعاب النارية الخطرة. الأميركيون كانوا الضحية فعلاً - هذه المرة - وهذا هو المخيف. رجل واحد المخيف ايضاً هو أن الإرهاب جماعي ولو أن التصدي له غالباً ما يتمحور حول رجل واحد يضرب ويطيح ويردع ويقتل ويدمر وينسف الأشرار في كل اتجاه وبكل وسيلة. النهايات وعدت الأميركي دائماً بالنصر نصر الفرد على الجماعة. لكن اذا ما استبعدت هوليوود حالياً عرض مجموعة من الأفلام التي تدور على عمليات إرهابية جماعية، مثل فيلم أرنولد شوارزنيغر الجديد "ضرر جماعي" وفيلم بروس ويليس المقبل "متاعب كبيرة"، فإن ما لم تستبعده هو أفلام الإرهاب الفردي. وثمة فيلمان في هذا الاتجاه حيث منطق العنف والترهيب بطله فرد واحد. ربما آزره آخرون، لكنه ليس إرهابياً بل واحد "منا"... هذا يبدو أكثر تخويفاً اذا ما أمعن المشاهد النظر في طيات هذه الأفلام. DONT SAY A WORD مثل الكثير من الأفلام التي تدور في نطاق مماثل. هناك العائلة الأميركية السعيدة والخطر الآتي من الخارج. وربما ذات يوم أبحرنا في هذا المفهوم... من أين نشأ؟ كيف انتشر؟ ما هو حجم البارانويا فيه؟ لماذا على الخطر أن يكون أجنبياً؟ أليس هناك خطر أميركي على مجتمعات أخرى يمكن الحديث عنه؟ أبطال "لا تنطق بكلمة" عنوان مضخم لفيلم لا يصمت أحد فيه هم عائلة اميركية نموذجية. أولاً هي بيضاء وثانياً من مستوى طبقي أعلى من المتوسط وثالثاً تعيش من الحب والتآخي. هناك الزوج د. كونراد مايكل دوغلاس طبيب نفسي ناجح، وزوجته جسيكا فامكي جانسن المضطرة للبقاء في البيت بسبب كسر في قدمها، وطفلتهما جيسي سكاي ماكول بارتوزياك. يعود الأب يوماً من عمله ويلاعب ابنته الصغيرة ثم قبل أن يحملها الى سريرها في غرفتها الصغيرة، يعود الى زوجته المنتظِرة ويبادلها الغرام. ليس الموضوع أن هذه العائلة وعاداتها ليست موجودة، وفي نيويورك خصوصاً، بل ان القصد هو التالي: كل شيء يسير بلا خدش في حياتها الى أن تتعرض للخطر. ومصدر الخطر... العقل المدبر والمخطط له... الشرير الأول الذي لن يموت الا آخراً بعد كل الأشرار الآخرين وهو... أجنبي. انه باتريك كوستر الممثل البريطاني شون بين وهو غير الأميركي شون بن وكان لعب دور الإرهابي الإيرلندي في فيلم "ألعاب وطنية" ضد هاريسون فورد البريطاني الذي يريد الدخول الى عقل فتاة تقبع في المصح النفسي اسمها اليزابيث بريتاني مورفي وهو لا يستطيع فعل ذلك الا بمساعدة طبيب نفسي بمستوى د. كونراد وخبرته. والسبب ان والدها كان خدعه قبل عشر سنوات عندما اشتركا في سرقة ماسة نادرة او هكذا يجب أن تكون اذ ان ثمنها آنذاك بلغ 10 ملايين دولار لكن الوالد أخذ الماسة وأخفاها في مقبرة وهي تحفظ رقم القبر الذي أخفيت الماسة فيه، هذا طبعاً قبل أن يقتل باتريك أباها وتدخل هي المصح بذكرياتها ومتاعبها النفسية الشديدة. لكن كيف يجبر باتريك الطبيب على دخول عقل اليزابيث وسحب المعلومات منه؟ ببساطة، يخطف ابنته جيسي. ذلك أنه بعد أن نام الطبيب وزوجته في تلك الليلة، استيقظ الزوج وأخذ يحضر طعام الإفطار كأي زوج نموذجي عندما تكسر زوجته ساقها وتستلقي في السرير بنصف ثيابها. يدخل على زوجته بصينية الطعام وهو يصيح بجيسي أن تنهض من النوم "الفطور جاهز... جسيكا ... جسيكا"، لكن جسيكا لا ترد. "هل لديها مكان جديد تختبئ فيه؟" يسأل كونراد زوجته ثم يخرج الى الردهة وينظر الى الباب. في حينه فقط يجد أن السلسلة التي من المفترض بها أن تمنع دخول الأغراب مكسورة. يعود الى غرفة زوجته ويتلقى في اللحظة ذاتها المكالمة الأولى من الخاطف الذي يتولى ابلاغه ما يريد على أن ينجز المهمة قبل الخامسة مساء اي في إطار يوم واحد. سرعان ما يكتشف كونراد وزوجته أنهما مراقبان، وهما بالفعل كذلك. لا يستطيعان اسدال الستائر التي تركاها مفتوحة حينما كانا يمارسان الحب في الليلة السابقة. باتريك يأمره بتركها مفتوحة. لكن هل باتريك حقاً بحاجة الى تلك الستائر؟ حين ننتقل الى الشقة القريبة التي حوّلها باتريك، ومعه شخصان معاونان أحدهما أسود، الى مقر، نلحظ أن الرجال يرون كل حركة من حركات العائلة - الضحية على شاشة جهاز تلفزيون. لقد وضعت العصابة كاميرات في كل غرفة. وفي غرفة نوم الزوجين - نلاحظ لاحقاً - وضعت كاميرتين، واحدة فوق السرير والأخرى في مواجهته. كيف تم ذلك؟ أين كان أهل البيت؟ أكانت الزوجة مشغولة بكسر ساقها خارج البيت؟ هل ركبت العصابة الكاميرات في الليلة ذاتها التي خطفت فيها الفتاة من دون أن يحس أحد بذلك هل كان الزوجان منهكين الى هذه الدرجة؟، ام أنها ركبت تلك الكاميرات التي لا بد من أنها صغيرة جداً بحيث لا تلفت نظر أهل البيت منذ شهر، او منذ سنة، او ربما من قبل أن تبنى العمارة؟... ركبوها ثم بنيت العمارة حولها؟ الفيلم لا يزال في مطلعه، لكن اسئلة من هذا اللون الذي يفصح عن لا منطقية الخط الأساسي من الأحداث لا تتوقف. واذا اعتبرت من نوع التفاصيل، فماذا عن هذه الخطة العجيبة القاضية بالوثوق بأن هذا الطبيب سيستطيع استخراج سر في ساعات قليلة أخفته صاحبته في عقلها طوال عشر سنوات؟ ثم كيف جرى، وهي نصف مجنونة، انها لا تزال تذكر "نمرة" من ستة أرقام؟ كاميرا تتأرجح المخرج هو غاري فلدر الذي قدم فيلمين جديرين بالتقدير الى حد ما، وهما "اشياء تفعلها في دنفر حين تموت" و"قبّل الفتيات". هنا، يريد أن يبزّ اي مخرج قبله: عمد الى الإيقاع السريع واللقطات التي تختفي قبل أن تُؤسس والكاميرا التي تميل يمنة ويسرة كما لو أنها شربت كأسين أكثر مما يجب. المشاهد الأولى مصممة جيداً، لا بد من الاعتراف. لكن لاحقاً تبدو خطة المخرج الإخراجية تصميم تلك اللقطات مفتعلة تماماً كما القصة ذاتها. التصوير بحد ذاته ما في داخل اللقطة من نسيج الصورة جيد، بل أحياناً ممتاز. مدير التصوير الإيراني الأصل أمير مُقري، يعرف كيف يولف ذلك النسيج ويعطيه تناقضاً في اللون وثراء في العناصر الضوئية والجمالية حتى ولو كان فحواها كابوسياً. لكن خطة العمل كلها ناشزة عن الصواب، مصنوعة لمن اعتاد حلقات "ميامي فايس" و"بوليس نيويورك" وغيرهما من المسلسلات البوليسية التلفزيونية. عندما عمد ديفيد فلتشر الى ذلك الأسلوب في "سبعة" قبل بضع سنوات، كان يعمل ضمن خطة رؤيوية ناجحة. كان يضع ابطاله واشراره وكلهم اميركيون في عالم أشبه بجحيم على الأرض. وكانت لقطاته معبّرة وتوليفه مركزاً ورصيناً، وتصميم المناظر والديكور بارعاً وملائماً للرؤية التي في البال. هنا لا شيء من تلك البراعة. الى جانب أن القصة تمضي من سيئ الى أسوأ وصولاً الى نهاية تلتئم فيها العائلة النموذجية من جديد، بل تستقبل ايضاً تلك الفتاة البيضاء التي شفيت تماماً من مصابها بعدما كانت في حال ميؤوس منها قبل بضع ساعات. اما البريطاني الشرير الذي أراد تحطيم الحلم الأميركي بتقويض العائلة الأميركية الجميلة فخسر كما خسر الألوف قبله. المشكلة هي ان المفهوم الكامن وراء كونه أجنبياً ليس مبرراً سوى على أساس تلك البارانويا التي نلحظها في الأفلام الكثيرة من الشاكلة نفسها. لكن هناك أكثر. هل تذكر الممثل الأسود الذي كان أحد أزلام العصابة؟ في فصل من فصول الفيلم يدخل بيت العائلة. الفتاة مخطوفة والأب مشغول بحل طلاسم المريضة النفسية، وهذا الأسود يدخل بيت العائلة حيث تستلقي الزوجة التي كان يتلصص عليها بواسطة تلك الكاميرات المزروعة. وسريعاً ما تقع معركة بينهما. معركة حياة او موت، ولا بأس اذا شملت ايضاً تهديداً بالاعتداء الجنسي. ولاحظ اختلاف لونيهما وأياً منهما الخيّر وأياً منهما الشرير... ستجد الإجابة مثيرة جداً للإمعان في كم أن هوليوود ما زالت عنصرية! طبعاً، عنصرية من دون أن تلفت انتباه اي ناقد تعرض للفيلم بالمدح او الهجوم! في "لا تنطق بكلمة" الكثير من العنف. عنف الشخصيات الكارهة للحياة ولبعضها بعضاً. الأشرار جميعاً فقدوا الصلة بأي منطق ويمارسون الإرهاب بلذة. الى جانب أن الترهيب نفسه موجه صوب الإناث: الفتاة الصغيرة والشابة المريضة والزوجة المقعدة... وحتى التحرية جنيفر اسبوسيتو تُصاب بطلقة تكاد تكون قاتلة. وحده مايكل دوغلاس يخرج من قتال ذلك اليوم العنيف مستخدماً أسلحة الأعداء بالجدارة ذاتها ومنتصراً عليها. بوضع هذا النوع من الإرهاب الفردي قياساً على أن محوره في نهاية الأمر هو ذلك "الغريب" الفرد وليس إرهاباً جماعياً منظماً من متطرفين كلهم "غرباء" رديفاً للعنصرية الجنسية والعرقية، تحصل على فيلم ارهابي بالفعل. الفيلم الثاني "يوم التدريب" "يوم التدريب" لا يبتعد كثيراً من ذلك. بل انه في الحقيقة يلتقي في بضع نقاط. قبل التعرّض لها، يجب القول انه أفضل شأناً بمعنى "فناً" من "لا تنطق بكلمة". الفيلم الثاني "يوم التدريب" مثل الفيلم السابق، تدور أحداثه في يوم واحد. وهو سريعاً ما يلج حلقة من الإرهاب الفردي حيث يستولي العنف والرغبة في التخلص من الآخرين بالقتل على طروحات العمل. ومثل الفيلم السابق أيضاً هناك أبيض وأسود في العملية. لكن الصراع هنا ليس بين غرباء. كذلك - ومع أن الأسود هو شرير والأبيض هو الإنسان الشهم والمخلص البطل بكلمة - هو ليس فيلماً عنصرياً، ذلك أن مخرجه، انطوان فوكوا، أفريقي - اميركي. هناك عائلة بيضاء وإن لم تكن نموذجية كاملة. التحري جايك ايثان هوك يفيق ذات صباح الى جانب زوجته على صراخ طفلتهما. لكن بيت العائلة متواضع جداً. الرجل يعمل وراء المكاتب ويريد الانتقال الى العمل تحري شوارع. هاتف من مدربه التحري ألونزو هاريس دنزل واشنطن يوقظه، وما هي الا لحظات ويجتمعان. ألونزو يبادر الى تجسيد صورة رئيس منضبط ومتحكم "اذا نفذت كل ما أقوله لك، أضمن أنك ستكون أعظم تحرٍ في ستة أشهر". يبتسم جايك لسماع ذلك ويجيب: "تستطيع أن تطلب مني اي شيء وسأنفذه". هذا كان في الصباح. وحين يأتي المساء، يختلف الوضع. لقد اكتشف جايك بالتدريج أن هذا الضابط مرتش وفاسد ومنحط. هناك تاجر مخدرات اسمه روجر سكوت غلن لديه 4 ملايين دولار مخبأة في بيته. ألونزو، الذي لديه فريق من التحريين الصغار الذين يعملون لحسابه، سيسرق مليوناً منها ويقتل روجر ويصمم الجريمة على أنها دفاع عن النفس. سيعرض ايضاً ربع مليون دولار على جايك لكي يشتري سكوته. الى أن تقع هذه الحادثة يكون الفيلم قد خرج عن المنطق بدوره. "لا تنطق بكلمة" يبدأ بالخروج عن المنطق. "يوم التدريب" يبدأ صباحاً بالمنطق وبعد الظهر يترنح ذلك المنطق قليلاً، لكن في المساء يختفي تماماً. لا أثر له. ذلك أن قيام ضابط ذي دراية وخبرة باطلاع تحر جديد على فساده وعالمه الإجرامي من اليوم الأول، أمر لا يمكن تصديقه. كان يمكن أن تقع الأحداث في شهر... وربما كان ذلك أدعى الى القبول. الى ذلك، فإن دوران الأحداث في يوم واحد عملية تستدعي حشر كل شيء في ذلك اليوم وفيه يقع مع جايك وألونزو من المفارقات ما لا يقع مع تحر عادي في سنة. على ذلك، هناك قوة ضاغطة في فيلم فوكوا نتيجة وجود ادراك بما هو مرغوب تحقيقه. وأخرى ناتجة من أداء واشنطن وهوك اللذين يمنحان العمل متعة تعوّض دخول شخصيتيهما في عراك مستميت ودموي في نهاية الفيلم. لكن "يوم التدريب" في نهاية مطافه يحمل سمات العنف نفسه الذي أخذت هوليوود تعتقد أن الجمهور لن يلجأ اليه، بل سيفر منه بسبب الحرب والعمليات الإرهابية الكبيرة. هذا يعني قناعتها بأن العنف على الشاشة يولد العنف في المجتمع، على رغم أن هذا ليس صحيحاً، بل هو كلام يؤخذ على هناته من جانب آراء مختلفة الثقافات. أعداء هوليوود يقولون ذلك وبعض محبّيها يقولون ذلك، لكن الحقيقة هي أن العنف على الشاشة لم يفجر "مركز التجارة الدولية". على أن ما يهمنا في نهاية المطاف حقيقة أن "يوم التدريب" و"لا تنطق بكلمة" فيلمان عن الإرهاب الفردي الذي لا يُحسب له حساب كبير حين الحديث عن التأثير السلبي لأفلام الإرهاب والغرباء خاطفي الطائرات او المخططين لتدمير أميركا. هذا نوع من عنف الداخل وإرهابه أولى بالبحث من ذلك الخارجي.