مجموعة القصص القصيرة Coloured Lights أضواء ملونة للمؤلفة المصرية السودانية ليلى أبو العلا التي تكتب بالانكليزية، وصدرت أخيراً عن دار بوليغون في ادنبرة عصمة اسكوتلندا. وكانت أبو العلا السنة الماضية فازت بجائزة كين للكتابة الأفريقية، وتضم المجموعة الجديدة قصة "المتحف" التي نالت عنها الجائزة. قصة عن امرأة سودانية على قدر من الغرور واضطراب الشخصية، تدرس الاحصاء في اسكوتلندا، وهي خطيبة أحد الأثرياء في الخرطوم. وتذهب الى طالب اسكوتلندي لامع الذكاء لكن خجول لتستعير ملاحظاته عن مادة الدرس. شعورها نحو هذه الشخصية الغريبة عنها مزيج من الانجذاب والنفور والتعاطف. وعندما يذهبان سوية الى متحف عن تاريخ أفريقيا يؤلمها أن تكتشف بينهما هوة ثقافية عميقة مستحيلة الردم. ساردة القصة التي تحمل المجموعة اسمها شابة سودانية تعمل مذيعة اخبار في الخدمة العالمية لاذاعة "بي بي سي" في لندن، فيما يعمل زوجها طبيباً بيطرياً في الكويت. وتقول في القصة: "يبدو ان قدر جيلنا هو الفراق - عن بلدنا أو اسرتنا". وتتذكر خلال رحلة بالباص عبر لندن موت اخيها بالصدمة الكهربائية في الخرطوم، اثناء محاولته تركيب "اضواء ملونة" لحفل زواجه. كما تبين القصة تضارب عواطفها تجاه السودان، اذ هناك الحنين اليه الذي يمتزج مع الاحباط ونفاد الصبر من التخلف الذي يجبر الشباب على الرحيل الى الخارج طلباً لحياة أفضل. موقف السودانيين في الخارج من وطنهم يشكل واحداً من المواضيع المتكررة في القصص. في "النعامة" طالب دكتوراه سوداني مأخوذ تماماً بما يعتبره تفوق الغرب. وكانت كلماته الأولى الى زوجته عندما استقبلها في مطار هيثرو: "تظهرين وكأنك من العالم الثالث!". لكنه يعترف لها لاحقاً: "أحسدك لأنك متماسكة لا تعرفين التغير على رغم غربتك. أما انا فاشكك في كل شيء ولم اعد أثق بشيء". تبدي أبو العلا تفوقاً في تفحص مشاعر شخصياتها والتحولات والتغيرات المفاجئة في تلك المشاعر. انها تأخذنا الى تلك العوالم الذاتية الخفية وترينا البعد ليس بين أشخاص من ثقافات مختلفة فحسب بل بين افراد الأسرة الواحدة - حتى بين الزوج والزوجة. وهي تقوم بذلك بأسلوب متميز يجمع الوضوح الى الشاعرية. أبو العلا سودانية الأم، مصرية الأب. درست الاقتصاد في جامعة الخرطوم والاحصاء في كلية لندن للاقتصاد. بدأت كتابة القصة في دورات مسائية في مدينة ابردين، عاصمة صناعة النفط الاسكوتلندية حيث يعمل زوجها. لفتت موهبتها في كتابة القصة الأنظار اليها في وقت قصير، واعتبرت من ضمن الموجة الجديدة للأدب الاسكوتلندي في تسعينات القرن الماضي. ظهر عدد من قصص المجموعة الحالية أولاً في انتولوجيات الكتابة الاسكوتلندية. نشرت دار بوليغون رواية أبو العلا الأولى "المترجمة" السنة الماضية. وامتازت الرواية باسلوب المؤلفة في استعمال اللغة، واظهارها حياة شخصية مسلمة من الداخل، وذلك من خلال الأرملة السودانية الشابة سمر، التي تعمل مترجمة في جامعة أبردين. تقيم سمر صداقة مع راي، الاستاذ الجامعي الاسكوتلندي، الذي تزوج وطلق مرتين. ترفض سمر الزواج منه الاّ اذا اعتنق الاسلام، وعندما يستنكر ذلك تعود سمر الى الخرطوم - لكن هناك مفاجأة سعيدة لاحقاً! في احيان كثيرة تتناول أبو العلا في قصصها مواضيع مؤلمة. تقول: "نسبة الحمل بين القاصرات في اسكوتلندا من بين الأعلى في أوروبا، كما ان مدمني الكحول منظر مألوف في الشوارع". وتضيف: "تأثرت كثيراً بالمدرسة الاسكوتلندية في الكتابة الواقعية التي تتناول مثل هذه المواضيع، لكن في الوقت نفسه أردت معالجتها من منظور اسلامي". في قصة "ماجد" نرى سودانياً يحتاج إذن اقامة في بريطانيا ويتزوج اسكوتلندية اعتنقت الاسلام. وهو مغرم بطفله الأول، لكنه مدمن سري على الكحول ويلحق بنفسه المهانة تبعاً لذلك. قصتان من المجموعة عن نادية وصديقتها الانكليزية تريسي. في "غداء الثلثاء" تتناول نادية فطيرة من لحم الخنزير ويرفض جسمها ذلك الطعام المحرم. وفي قصة "استدل على طريقك للبيت بنفسك" التي تدور احداثها بعد سنين، نجد نادية وهي تزور تريسي في مستشفى بعد عملية اجهاض. قصة "الولد من محل الكباب" تثير اسئلة عن الهوية الثقافية والدينية. ونجد فيها الشابة المصرية الاسكوتلندية دينا وهي تبدأ علاقة مع الشاب المغربي الاسكوتلندي قاسم الذي لم تتح له نشأة اسلامية لكنه اتجه نحو ممارسة الشعائر. وعندما تراه دينا يصلي في غرفة المخزن التابعة للمحل تفاجأ بالمشهد ولا تعرف اذا كانت تريد اتباع خطاه أو العودة الى البيت. شخصيات أبو العلا لا تشابه النماذج الشائعة عن المسلمين أو البريطانيين بل لها فرادتها وتعقيداتها الخاصة. مثلاً، ان السيدة المصرية والدة دينا هي التي تشرب الجن وتقضي الوقت في مشاهدة فضائية التلفزيون المصري والشكوى المريرة من زوجها المتوفى. اما الاسكوتلندية أم قاسم فهي مخلصة بعمق لعائلتها الكبيرة و"محافظة وهادئة، منضبطة الطباع وفخورة بعنايتها المنزلية". في قصة "التذكارات" يعود ياسر لزيارة الخرطوم، ويجد ان امه ترفض القبول بزواجه من فتاة اسكوتلندية وتواصل سؤاله: "زوجتك - ما اسمها؟" قصة "الزوار" تدور في الخرطوم أثناء أزمة اقتصادية حادة يجري فيها تقنين السكّر. وتبرز في القصة ممرضة سودانية تتمتع بامتيازات مقارنة بالنساء الفقيرات اللواتي تقوم بزيارتهن ومحاضرتهن عن استعمال مانع الحمل المحاضرات التي تثير ضحك النساء. بعد ذلك تشعر الممرضة باحراج شديد عندما تزورها في منزلها واحدة من النساء الفقيرات. القصتان الأخيرتان في المجموعة هما "الأيام تدور" و"بساط راضية". تقول أبو العلا انهما تتناولان "مستقبل بعيد متخيل حيث يتخذ الجانب الروحاني شكلاً ملموساً". وكتبتهما لأنها أرادت تناول موضوع مختلف وتشجيع نفسها على التنويع والتجريب. فوز أبو العلا بجائزة كين السنة الماضية زاد من الاهتمام بكتاباتها ودفع دار هاينيمان الى اتخاذ قرار اصدار رواية "المترجمة" ضمن "سلسلة الكتاب الأفارقة". كما صدرت الرواية بترجمة ألمانية. تقوم الكاتبة السودانية المصرية في الوقت الحالي بتطوير عملها الاذاعي لراديو "بي بي سي". وقدمت الاذاعة قصتي "الأضواء الملونة" و"الزوار"، كما بث "راديو 4" التابع ل"بي بي سي" الصيف الماضي مسرحية "حب الهال" من تأليف أبو العلا مشتركة مع الكاتبة البريطانية ساره فيلبس. وفي أيار مايو الماضي قدم "راديو 4" مسرحية "المحارب البحري" التي تدور احداثها في منصة لضخ النفط في حقول بحر الشمال. في المسرحية مهندسة نفط سودانية واخرى اميركية تقلقهما شخصية غريبة تبدو وكأنها تعرف تفاصيل حياتهما. تقيم أبو العلا منذ نحو سنة في اندونيسيا حيث يعمل زوجها في القطاع النفطي. وهي تعمل الآن على رواية جديدة تختلف عن "المترجمة" باستعمالها اسلوب "ضمير المتكلم". تدور احداث الرواية في الخرطومولندن، وموضوعها "النضج الروحي والعاطفي لصبية سودانية والرجال الذين يؤثرون في حياتها". اضافة الى ذلك تعمل الكاتبة على تحويل "المترجمة" الى مسلسل اذاعي من خمس حلقات يذيعه السنة المقبلة "راديو 4" في برنامجه "ساعة المرأة". مشروعها الثاني للاذاعة تحويل قصتها القصيرة "المتحف" الى مسرحية اذاعية للمحطة نفسها على ان تبث في أيلول سبتمبر من السنة المقبلة.