أبو ظبي - الجياة- اربعة كتب هي الدفعة الاولى من سلسلة "ارتياد الآفاق" التي تصدرها معاً المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت - عمان ودار السويدي للنشر ابو ظبي. والكتب هي: "الذهب والعاصفة" او "رحلة الياس الموصلي الى أميركا" التحرير والتقديم: نوري الجراح، "رحلتان الى سورية" للشيخ محمد رشيد رضا التحرير والتقديم: زهير احمد ظاظا، "تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الاسفار" لمحمد بن جبير الاندلسي التحرير والتقديم: علي أحمد كنعان، "رحلة الحبشة" لصادق باشا المؤيد العظم التحرير والتقديم: نوري الجراح، والسلسلة التي تعنى بأدب الرحلات وتسعى الى احيائه قدمها الشاعر محمد احمد خليفة السويدي مؤسس دار السويدي والأمين العام للمجمع الثقافي ونظراً لأهمية التقديم وللضوء الذي يلقيه على ادب الرحلات ننشر نصه كاملاً: تهدف هذه السلسلة بعث واحد من اعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا العربية، من خلال تقديم كلاسيكيات ادب الرحلة، الى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحّالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودوّنوا يومياتهم وانطباعاتهم، ونقلوا صوراً لما شاهدوه وخبروه في اقاليمه، قريبة وبعيدة، لا سيما في القرنين الماضيين اللذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربية لدى النخب العربية المثقفة، ومحاولة التعرف على المجتمعات والناس في الغرب، والواقع انه لا يمكن عزل هذا الاهتمام العربي بالآخر عن ظاهرة الاستشراق والمستشرقين الذين ملؤوا دروب الشرق، ورسموا له صوراً ستملأ مجلدات لا تُحصى عدداً، خصوصاً في اللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية والايطالية، وذلك من موقعهم القوي على خارطة العالم والعلم، ومن منطلق المستأثر بالأشياء، والمتهيئ لترويج صور عن "شرق ألف ليلة وليلة" تغذي اذهان الغربيين ومخيلاتهم، وتمهّد الرأي العام، تالياً، للغزو الفكري والعسكري لهذا الشرق. ولعل حملة نابليون على مصر، بكل تداعياتها العسكرية والفكرية في ثقافتنا العربية، هي النموذج الأتم لذلك. فقد دخلت المطبعة العربية الى مصر مقطورة وراء عربة المدفع الفرنسي لتؤسس للظاهرة الاستعمارية بوجهيها العسكري والفكري. على ان الظاهرة الغربية في قراءة الآخر وتأويله، كانت دافعاً ومحرضاً بالنسبة الى النخب العربية المثقفة التي وجدت نفسها في مواجهة صور غربية لمجتمعاتها جديدة عليها، وهو ما استفز فيها العصب الحضاري، لتجد نفسها تملك، بدورها، الدوافع والاسباب لتشد الرحال نحو الآخر، بحثاً واستكشافاً، وتعود ومعها ما تنقله وتعرضه وتقوله في حضارته، ونمط عيشه وأوضاعه، ضاربة بذلك الأمثال للناس، ولينبعث في المجتمعات العربية، وللمرة الاولى، صراع فكري حاد تستقطب اليه القوى الحية في المجتمع بين مؤيد للغرب موال له ومتحمس لأفكاره وصياغاته، وبين معاد للغرب، رافض له، ومستعد لمقاتلته. وإذا كان أدب الرحلة الغربي قد تمكن من تنميط الشرق والشرقيين، عبر رسم صور دنيا لهم، بواسطة مخيلة جاذعة الى السحري والأيروسي والعجائبي، فإن ادب الرحلة العربي الى الغرب والعالم، كما سيتضح من خلال نصوص هذه السلسلة، ركّز، اساساً، على تتبع ملامح النهضة العلمية والصناعية، وتطور العمران، ومظاهر العصرنة ممثلة في التطور الحادث في نمط العيش والبناء والاجتماع والحقوق. لقد انصرف الرحالة العرب الى تكحيل عيونهم بصور النهضة الحديثة في تلك المجتمعات، مدفوعين، غالباً، بشغف البحث عن الجديد، وبالرغبة العميقة الجارفة لا في الاستكشاف فقط، من باب الفضول المعرفي، وانما، اساساً، من باب طلب العلم، واستلهام التجارب، ومحاولة الأخذ بمعطيات التطور الحديث، واقتفاء اثر الآخر للخروج من حالة الشلل الحضاري التي وجد العرب انفسهم فريسة لها. هنا، على هذا المنقلب، نجد احد المصادر الاساسية المؤسسة للنظرة الشرقية المندهشة بالغرب وحضارته، وهي نظرة المتطلع الى المدنية وحداثتها من موقعه الادنى على هامش الحضارة الحديثة، المتحسر على ماضيه التليد، والتائق الى العودة الى قلب الفاعلية الحضارية. إن أحد أهداف هذه السلسلة من كتب الرحلات العربية الى العالم، هو الكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي تشكل من طريق الرحلة، والافكار التي تسربت عبر سطور الرحالة، والانتباهات التي ميزت نظرتهم الى الدول والناس والأفكار. فأدب الرحلة، على هذا الصعيد، يشكل ثروة معرفية كبيرة، ومخزناً للقصص والظواهر والافكار، فضلاً عن كونه مادة سردية مشوقة تحتوي على الطريف والغريب والمدهش مما التقطته عيون تتجول وأنفس تنفعل بما ترى، ووعي يلم بالأشياء ويحللها ويراقب الظواهر ويتفكر بها. أخيراً، لا بد من الاشارة الى ان هذه السلسلة التي قد تبلغ المئة كتاب من شأنها ان تؤسس، وللمرة الاولى، لمكتبة عربية مستقلة مؤلفة من نصوص ثرية تكشف عن همة العربي في ارتياد الآفاق، واستعداده للمغامرة من باب نيل المعرفة مقرونة بالمتعة، وهي الى هذا وذاك تغطي المعمور في اربع جهات الارض وفي قاراته الخمس، وتجمع الى نشدان معرفة الآخر وعالمه، البحث عن مكونات الذات الحضارية للعرب والمسلمين من خلال تلك الرحلات التي قام بها الادباء والمفكرون والمتصوفة والحجاج والعلماء، وغيرهم من الرحالة العرب في ارجاء ديارهم العربية والاسلامية.