العصابة الاسرائيلية في الولاياتالمتحدة خسرت الجولة إلا انها لم تخسر الحرب، وأركان العصابة يعيدون ترتيب صفوفهم الآن للتغطية على جرائم الحرب التي ترتكبها اسرائيل ضد الفلسطينيين كل يوم، ولتوسيع دائرة الحرب القائمة على الإرهاب، لتشمل اعداء اسرائيل مثل ايرانوالعراق وسورية. بقيت عقد التسعينات كله على خلاف مع حاخامات وزارة الخارجية الأميركية، وكنت شعرت، ولا أزال، بأن هؤلاء دخلوا الادارة، أي ادارة، لخدمة اسرائيل. وكان رد مارتن انديك ودنيس روس وارون ميلر على كل من انتقد مواقفهم أنه يعارضهم لأنهم يهود. وهاجمني ميلر مرة وهو يرتجف غضباً وقال لي انني ضده لأنه يهودي، وحاول صديق أن يجمعني في حفلة مع أنديك فرفضت لأنني لا أكلم "اسرائيليين"، ووجدت انه هو أيضاً بلّغ الصديق انه لا يريد ان يكلمني لأنني أقف ضده لأنه يهودي. الواقع انه كان في وزارة الخارجية الأميركية في تلك الأيام دانيال كيرتزر الذي أصبح في ما بعد سفير بلاده في مصر، وهو الآن السفير الأميركي في تل أبيب. وكنت دائماً على علاقة طيبة مع كيرتزر اليهودي المتدين جداً، فقد وجدته يعمل لبلاده، لا لإسرائيل رغم تأييده هذه كيهودي، واجتمعت به في وزارة الخارجية في واشنطن، وفي مكتبه في القاهرة، وسمعت رأيه وأسمعته رأيي. وفي حين ان ريتشارد هاس مرّ بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فهو ليس من الحاخامات. عصابة اسرائيل خطفت عملية السلام، وزعمت ان ادارة كلينتون وسيط شريف، ثم أيدت اسرائيل في حملتها الدعائية عن "تنازلات غير مسبوقة" هي الكذب بعينه، وبين هذا وذاك كان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي أسسه انديك بأموال ثرية يهودية أميركية، يتعامل مع وزارة الخارجية بما يشبه الباب الدوار. فالباحثون فيه، أو الزملاء، ينتقلون الى الادارة ويعودون منها، ولا هدف لهم سوى خدمة اسرائيل، وهي خدمة جعلت الولاياتالمتحدة هدف الكره في العالم، وسهلت قيام أسامة بن لادن، وربما غداً ألف أسامة آخر. أكثر ما كان يغيظني في تلك الأيام الاصرار الوقح على ان حاخامات وزارة الخارجية مواطنون أميركيون يعملون لبلدهم، ويحاولون الوصول الى حل عادل بين الفلسطينيين واسرائيل، فقد اعتبرت كلاً منهم عميلاً اسرائيلياً أسوأ من مسؤول اسرائيلي خالص، فهذا لا ينكر من هو، أما اليهودي الأميركي أو الاسترالي في وزارة الخارجية الأميركية فيدعي انه أميركي، ويرد على كل تهمة بأن سببها لاسامية كامنة. بدأ حاخامات وزارة الخارجية يفقدون اتزانهم بعد ان تركوا الحكم مع بيل كلينتون، فقد خلفهم أميركيون آخرون، بما انهم ليسوا من اليهود الأميركيين انصار اسرائيل، فقد اتهموا فوراً بأنهم "مستعربون" يتعاطفون مع العرب. وجاء ارهاب 11 أيلول سبتمبر وما تبعه فسقطت ورقة التوت نهائياً وكشف أنصار اسرائيل دخائلهم وضغائنهم، في مقالات نشرتها الصحف، وفي اصدارات معهد واشنطن التي توالت وهي تخلط السم بالدسم، والهدف هو التغطية على جرائم اسرائيل، ثم اتهام الضحية بالارهاب، ومحاولة تحويل الانظار الى دول مثل العراق وسورية وايران ولبنان. قرأت في الأيام الأخيرة فقط دراسات أو مقالات لباحثين في المعهد من نوع ديفيد ماكوفسكي وايهود يعاري وآفي جوريش ومايكل روبن وديفيد ايزي ومايكل اينستات، وطبعاً مدير المعهد روبرت ساتلوف الذي "أزعجه" ان يتحدث الرئيس بوش عن دولة فلسطينية. والجامع المشترك بين أبحاث هؤلاء انها صحيحة في معظم المعلومات ولا تخلو من منطق في الاستنتاجات، ثم تستغل كل هذا لتسرب معلومة كاذبة تسمم بها أفكار القارئ أو تخدم اسرائيل، أو تشكك في موقف بلد عربي. وتضيق هذه العجالة عن أمثلة، فأكتفي بواحد هو تقرير كتبه مارتن انديك عن الانتفاضة الثانية في ذكراها السنوية الأولى. والتقرير صحيح في سرده المعلومات، حتى وهو يحمل ياسر عرفات ما لا يجوز تحميله، غير انني توقفت عند آخر فقرة منه، فالاسترالي الأميركي انديك يقول فجأة: "ان المملكة العربية السعودية أوضحت ان على واشنطن ان تضغط على عرفات لاحتواء العنف حتى لا ينتشر الى أجزاء أخرى من المنطقة. والدول العربية المعتدلة مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية قلقة من أن هجمات الارهابيين قد تقع في أي مكان من المنطقة وتهز استقرار الحكومات وتؤدي في النهاية الى سقوطها...". هذا هو مارتن انديك من غير ورقة التوت. هل تحتاج المملكة العربية السعودية الى ان تطلب من واشنطن ان تضغط على عرفات؟ أعرف السياسة السعودية أفضل من ألف انديك واتصالي مع الأمير سعود الفيصل قديم ومستمر، وأقول ان السعودية لم تطلب من واشنطن ان تضغط على الرئيس الفلسطيني، وان الضغط هذا ليس جزءاً من السياسة السعودية ازاء فلسطين، وأن السعودية تستطيع ان تطلب ما تريد من عرفات مباشرة، فما يجمعها وأبو عمار أكبر كثيراً من العلاقة مع أميركا. ثم ما هو هذا الارهاب المحتمل الذي سيهز حكومات مصر والأردن والسعودية وقد يقلبها؟ هل يصدق عاقل ان هذه الحكومات تواجه خطراً ارهابياً؟ على سبيل التذكير، عندما واجهت هذه الحكومات خطر ارهاب لم يهز حكوماتها قيد انملة وقاومته وهزمته، اتهمت بالاعتداء على حقوق الإنسان. واليوم طويت هذه التهمة بعد ارهاب 11 أيلول سبتمبر، وأصبح هم أنصار اسرائيل تحويل أنظار العالم كله عن ارهاب الدولة في اسرائيل ضد الفلسطينيين. طبعاً، عصابة اسرائيل في الولاياتالمتحدة تتجاوز كثيراً الحاخامات السابقين في وزارة الخارجية وباحثي معهد واشنطن، فأكمل غداً.