كان متغطرساً وحدّياً الى أبعد الحدود، الرئيس الاميركي جورج بوش، عندما قال ان لا مجال للحياد في الحملة على الارهاب، واعتبر ان من لا يقف مع بلاده سيعتبر ضدها. ورد عليه مرشد الثورة الايرانية بلغة يُحتمل، ويحتمل فقط، ان يفهمها بقوله: "نحن لسنا معك، ونحن ضد الارهاب". إن أي انسان سوي العقل لا يمكن الا ان يدين الهجمات الارهابية التي حدثت في الحادي عشر من ايلول سبتمبر الماضي لأنها أزهقت أرواح آلاف الأبرياء المنتمين لأديان وأعراق وجنسيات مختلفة، ولأنها افقدت الانسانية جزءاً آخر من براءتها التي يقضمها التعصب والصراعات والمظالم والفقر وسط نظام عالمي ابعد ما يكون عن العدالة، تقوده الولاياتالمتحدة والغرب. ومثلما حاول اسامة بن لادن تقسيم العالم الى معسكرين، معسكر المؤمنين ومعسكر الكفار، قسم بوش العالم الى من يقفون مع بلاده ومن يقفون ضدها، وكأن الاثنين - على رغم كل خلافاتهما، اذا اعتبرناهما ندّين متساويين - يتفقان على حتمية "صراع الحضارات"، على رغم قول بوش ان الحملة على الارهاب الدولي ليست حملة على الاسلام والمسلمين. بعدما بدأت اميركا وبريطانيا حربهما على افغانستان الأحد الماضي وأعلنتا ان الحرب موجهة الى تنظيم "القاعدة" ونظام "طالبان" الافغاني لايوائه قادة "القاعدة" ورجالها، بدا ان "الصقور" في واشنطن اقنعوا الإدارة بتوسيع نطاق الحرب لتشمل منظمات ودولاً اخرى. والواقع ان بوش أعلن نية توسيع الحرب في بيانه بعد الضربات الجوية الافتتاحية عندما قال: "اليوم ينصب التركيز على افغانستان"، ما يعني ان التركيز سينقل في أيام لاحقة على أماكن اخرى. ومع ان بعض الناس اعتقد ان المشاركة العسكرية البريطانية في الحرب على افغانستان سيوازيها تأثير سياسي بريطاني يكبح الاندفاع الاميركي، خصوصاً بعدما قال وزير الخارجية جاك سترو ان واشنطن لن تُعطى صكاً مفتوحاً، فإن رئيس الوزراء توني بلير بدا لاحقاً مؤيداً لتوسيع نطاق الحرب. اذ أعلن بلير الاثنين الماضي في مجلس العموم: "حتى عندما يتم التعامل مع تنظيم القاعدة، فإن العمل سيكون غير منتهٍ. ان شبكة الارهاب الدولية لا تقتصر عليها". ان الدول التي التحقت ب"التحالف الدولي" بناء على الهدف المعلن، وهو ضرب "القاعدة" ونظام "طالبان"، والذي شكل بالضغط والرشوة والاكراه في معظم الاحيان، سيزداد هشاشة اذا ما حاولت اميركا توريط اعضائه في حرب غير محددة النطاق زمنياً وجغرافياً، وقد ينهار بسرعة. والواقع ان كثيرين في أنحاء العالم ينتقدون بأصوات مرتفعة الضربات المستمرة التي توجهها أقوى دولة في العالم الى أفقر بلدانه وأشدها بؤساً، وهي ضربات اسقطت حتى الآن قتلى يعدون بالمئات، وتسببت في زيادة عدد اللاجئين الافغان بالملايين. ولن يصدق معظم الناس في العالم الاسلامي وخارجه، ان الاميركيين والبريطانيين الذين يسقطون الصواريخ والقنابل، ومعها حزم أغذية في حيلة دعائية رخيصة، سيأبهون بمصير افغانستان بعد الحرب. أما في العالم العربي فإن معظم الناس يدركون ان حديث بوش، قبل أيام من الحرب، عن كون دولة فلسطينية جزءاً من "رؤية اميركية" هو حديث مشبوه الصدقية، ويعرفون ان من يراهن على هذا الكلام سيخسر الرهان لأن السوابق تفضح الوعود الكاذبة. ان الولاياتالمتحدة تسلح اسرائيل وتجعلها القوة العسكرية الأعتى وتمولها وتجعلها ربما الأغنى في المنطقة، ثم تطلب من الفلسطينيين ان يتفاوضوا معها لتحصيل حقوقهم منها. ويبدو ان زعماء العالم جميعاً لو رددوا بصوت واحد ما قاله المستشار الالماني غيرهارد شرودر امس، وهو ان التغلب على الارهاب مرهون بحل الصراع في الشرق الأوسط، لما فهم بوش معنى ذلك.