تباينت مواقف القوى السياسية السودانية ازاء القصف الأميركي على أفغانستان، وأبدى الشارع الإسلامي السوداني غضباً، رافضاً الضربات الأميركية ومسانداً للشعب الأفغاني. وبدا أن الحكومة سعت إلى اتخاذ موقف أكثر تحفظاً كي لا تجد نفسها معزولة مرة أخرى عن محيطها. في غضون ذلك، وجهت الإدارة الأميركية انتقادات حادة لقصف الجيش السوداني مناطق في الجنوب، وأكدت ترحيبها بالمعلومات التي تقدمها الخرطوم في شأن الإرهاب. وتنامى الغضب الشعبي في شكل لافت في العاصمة السودانية وبات مألوفاً مشاهدة شعارات مرفوعة في الطرق تؤيد أفغانستان، وصور أسامة بن لادن معلقة على جدران المنازل والسيارات والباصات وبعض المحلات التجارية، وصدور بيانات باسم تنظيمات غير معروفة تنادي ب"الجهاد" إلى جانب الشعب الأفغاني، وطرد الطاقم الديبلوماسي الأميركي من الخرطوم، وارسال مقاتلين إلى أفغانستان. وتتضح مظاهر الغضب خصوصاً في أوساط الشباب والطلاب والمتطوعين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش في جنوب السودان. وبعدما منعت السلطات موكباً في اليوم التالي للضربة الأميركية الأولى، سمحت في اليوم التالي بتظاهرة نظمتها "هيئة علماء السودان" الموالية للحكومة، بعد اصدار 48 عالماً بياناً يحمل "فتوى" ضد التحالف مع الولاياتالمتحدة، ويدعو إلى مناصرة أفغانستان. واعتبر البيان ضرب أفغانستان "حرباً على الإسلام والمسلمين"، لكن المسؤولين تجنبوا المشاركة في التظاهرة أو مخاطبتها على رغم تجمعها أمام مقر الرئاسة وسط الخرطوم. واتخذت الحكومة موقفاً عبر القطاع السيادي في الحزب الحاكم، الذي يرأسه الرئيس عمر البشير، ينتقد القصف الأميركي على أفغانستان ويبدو متزناً وحذراً. وعلى غير ما هو متوقع مال المسؤولون إلى الصمت والتحفظ عن الادلاء بآرائهم ازاء المستجدات العسكرية، الأمر الذي فسر بأنه موقف متعمد. وحمّل "حزب الأمة" برئاسة الصادق المهدي حركة "طالبان" الحاكمة في أفغانستان وتنظيم "القاعدة" مسؤولية ما لحق بالشعب الأفغاني. وأوضح في بيان صحافي ان القانون الدولي يمنح الدول الحق في الدفاع عن النفس، وان الاجراءات الحربية الأميركية تنبع من هذا الحق، لأنها يمكن أن تؤدي إلى اعتقال المتسببين في أحداث 11 أيلول سبتمبر في أميركا ومحاكمتهم، وتمكّن من تصفية تنظيم "القاعدة". ودان حزب "المؤتمر الوطني الشعبي" بزعامة الدكتور حسن الترابي الهجمات الأميركية، واعتبرها "موجهة ضد الإسلام والمسلمين". وأعرب عن تعاطفه مع الشعب الأفغاني، معتبراً في بيان أصدره أمس ان التعاون والتنسيق الأمني بين الحكومة السودانية والولاياتالمتحدة يشكلان "تهديداً خطراً لأمن الوطن وخيانة للعقيدة، وانحرافاً عن المواقف الوطنية". في غضون ذلك رويترز، انتقدت الولاياتالمتحدة السودان بشدة لما وصفته ب"قصف أخرق" لمناطق في جنوب البلاد، اثناء جهود تبذلها الأممالمتحدة لتوزيع أغذية على نازحين. جاء ذلك بعد أيام على نجاح الإدارة الأميركية في تجنيد حكومة البشير ضمن التحالف الدولي الذي تقوده ضد الإرهاب. وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر ليل الثلثاء إن ذلك لن يوقف واشنطن عن طلب عون الخرطوم في الحرب على أسامة بن لادن الذي عاش في السودان من العام 1991 إلى 1996. وتابع باوتشر: "نتابع كل تلك الأمور معاً عندما نتحدث مع حكومة الخرطوم. لن نقول للحكومة السودانية لن نقبل معلوماتكم عن الإرهاب إذا لم توقفوا قصف المدنيين". وأعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الاثنين ان قصفاً مصدره الجيش السوداني عرقل ليومين عملية توزيع الأغذية على حوالى 20 ألفاً في قرية في منطقة الرجاف الجنوبية.