منذ أكثر من عشرة أيام هبطت أسعار النفط إلى مستوى أقل من 22 دولاراً للبرميل ولا تزال عنده، وهو السقف الأدنى للآلية السعرية التي وضعتها منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك" لحماية السعر من الهبوط أو من الارتفاع فوق 28 دولاراً للبرميل. وعلى رغم الضربات الأميركية على أفغانستان والتوترات العالمية، بقي اتجاه أسعار النفط إلى الانخفاض، على عكس ما حصل أثناء حرب الخليج الثانية التي ارتبطت أساساً بدولتين نفطيتين أساسيتين في "أوبك" هما الكويت والعراق، مما أدى إلى ارتفاع سعر النفط إلى 40 دولاراً للبرميل. وتواجه "أوبك" اليوم صعوبة في إعادة السعر إلى المستوى المنشود وهو 25 دولاراً للبرميل. فكيف تلجأ المنظمة إلى خفض انتاجي بمستوى نصف مليون برميل في اليوم، وفقاً لما تنص عليه آلية الأسعار التي وضعتها "أوبك" لنفسها، في ظل ركود عالمي يترافق مع افلاس شركات الاتصالات الكبرى وانخفاض كبير في النمو في الولاياتالمتحدة وأوروبا وآسيا. كانت "أوبك" تمكنت أوائل السنة الحالية من إعادة سعر النفط إلى 25 دولاراً، عندما كان يتجه إلى تجاوز السقف الأعلى للسعر وهو 28 دولاراً، حين شهدت السوق الأميركية، وهي أكبر سوق استهلاكية للبنزين، نقصاً في هذه المادة نتيجة مشاكل طرأت على مصافيها. فكان من السهل عندها أن ترفع "أوبك" انتاجها من أجل إعادة السعر إلى 25 دولاراً. كيف ستعمل المنظمة الآن لوقف انخفاض الأسعار؟ على مدى تاريخ "أوبك" كان من السهل عليها باستمرار أن تتوصل إلى قرار لرفع الانتاج من أجل التصدي لارتفاع الأسعار، أما الاتفاق على خفض الانتاج فكان دائماً أقل سهولة. إذ ان كل الدول المصدرة تريد المحافظة على حصتها في السوق، لأن الحصة النفطية تمثل إضافة إلى زيادة العائدات، نفوذاً سياسياً واقتصادياً. صحيح أن "أوبك" قررت بدءاً من مطلع أيلول سبتمبر خفض مليون برميل من انتاجها، لكن عدداً من دول المنظمة عمل على ضخ كميات من النفط فاقت حصصها الانتاجية، في شهر آب اغسطس الماضي، مما أدى إلى فائض انتاجي، فيما كان الطلب متدنياً. وهناك دول من خارج "أوبك"، مثل روسياوالمكسيك والنروج وغيرها، تنتج غالباً من دون ضوابط وتترك مهمة الدفاع عن السعر ل"أوبك" التي تلجأ إلى خفض الانتاج دفاعاً عن السعر في حين تعمد دول مثل روسيا إلى زيادته فتسبب بهبوط الأسعار. حتى الآن، وعلى رغم الدعوات التي وجهتها "أوبك" إلى هذه الدول لحضور مؤتمراتها، فإن "أوبك" اخفقت في اقناع أي منها بخفض انتاجها. فكيف يمكن في الظروف العالمية الراهنة وحاجة الاقتصاد الأميركي إلى أسعار نفطية منخفضة، اقناع الدول خارج "أوبك" بخفض انتاجها، خصوصاً أن الحملة الأميركية على أفغانستان جعلت من روسيا شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة. وكيف تقنع "أوبك" المكسيك وهي المصدّر الأكبر للنفط للولايات المتحدة، بضرورة ابقاء الأسعار عند مستوى 25 دولاراً للبرميل؟ لا خيار أمام المنظمة سوى التزام اعضائها حصصهم الانتاجية وازالة الفائض الذي ضخته منذ آب الماضي، بانتظار اجتماعها المقبل في 14 تشرين الثاني نوفمبر، حين سيكون في إمكانها أن تلجأ إلى خفض انتاجي جديد. إذا بقيت أسعار النفط أقل من 22 دولاراً حتى الموعد المقبل لاجتماع "أوبك"، فإن ذلك يعني أن الظروف العالمية حولت آلية السعر التي تعتمدها المنظمة الى حبر على ورق، وحالت دون العمل بموجبها.