تقع مقدونيا في قلب البلقان الكبير. تحدها اليونان جنوباً وبلغاريا شرقاً وصربيا وكوسوفا شمالاً والبانيا غرباً. وصل الاسلام الى مقدونيا بعد أن فتح المسلمون جزيرة صقلية في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي. وفي ذلك العهد كانت مقدونيا ساحة صراع بين الروم البيزنطيين والبلغار. وتبادلتا الدولتان السيطرة على مقدونيا ثم استولى عليها الصرب في القرن السابع الهجري حتى حصل الفتح العثماني سنة 772ه / 1371م. إذ فتح السلطان مراد الأول مدينة أدرنة سنة 762ه / 1361م. أولى العثمانيون مدينة سكوبيا عاصمة مقدونيا رعايةً خاصة. فحصنوا القلعة وبنوا الجوامع والحمامات والخانات، وقَدِمَ اليها مهاجرون مسلمون من الاناضول ومن الاندلس فازدهرت المدينة وأصبحت من افضل المدن الاسلامية في البلقان. وانتشر الاسلام في المدن المقدونية كافة غير ان سكوبيا صارت مدينة اسلامية مميزة في القرن السابع عشر للميلاد فوصفها الرحالة اوليا شلبي وكتب انها تضمّ الفين ومئةً وخمسين محلاً تجارياً، وخمسةً واربعين جامعاً وخمسةً وسبعين مسجداً، وعشرين تكيةً وسبعين مدرسةً ابتدائيةً وخمس مدارس رشدية وتسع مدارس اسلامية. ولكن تلك المنشآت تعرضت للاهمال بعد رحيل القوات العثمانية ثم للهدم في الحربين العالميتين، واستمر تدمير الآثار الاسلامية في ظل الحكم الشيوعي اليوغوسلافي وضرب الزلزال سكوبيا فلم يبقِ بها سوى 11 جامعاً. تجاوزت نسبة المسلمين في مقدونيا الخمسين في المئة في أيام الخلافة الاسلامية العثمانية التي خسرت الحرب مع روسيا المدعومة من الاوروبيين سنة 1295ه / 1878م. وعُقِدَ مؤتمر برلين لتوزيع الغنائم على الروس والاوروبيين وحظيت امبراطورية النمسا والمجر بنصيب الاسد ثم نشبت حرب البلقان التي انتهت سنة 1332ه / 1913م واسفرت عن سيطرة صربيا على سنجق نوفي بازار الاسلامي اليوسنوي واقليم كوسوفا ومقدونيا الحالية وسيطرت بلغاريا على بعض المناطق المقدونية الشرقية كما سيطرت اليونان على المناطق المقدونية الجنوبية ونشأت المقاومة المسلحة الاسلامية ضد الاحتلال فأجبرت صربيا على توقيع اتفاقية اسطنبول مع السلطنة العثمانية سنة 1333ه / 1914م. ونصت الاتفاقية على ان تخضع المناطق المحتلة من الصرب للادارة الاسلامية الخاصة المرتبطة بالأئمة والمفتين التابعين لشيخ الاسلام في اسطنبول الذي يعين القضاة والمفتين في المناطق الاسلامية الواقعة تحت الاحتلال الصربي. واستمر ذلك الوضع حتى قامت الجمهورية التركية وألّفت الخلافة الاسلامية العثمانية ومنصب شيخ الاسلام الذي كان يشرف على اوضاع المسلمين في البلقان. عندما الغى مصطفى كمال اتاتورك منصب شيخ الاسلام سنة 1343ه / 1924م حَرَمَ المسلمين في البلقان وغيرها من سند مهم. وبدأ تهجير المسلمين من البلقان بعد اتفاقية الآستانة الموقعة من دول مؤتمر باريس. ووصل الى الآستانة بروتوكول لندن في آذار مارس سنة 1294ه / 1877م ويتضمن اتفاق روسيا وفرنسا وانكلترا والنمسا والمانيا وايطاليا على دعم النصارى ضد دولة الخلافة الاسلامية العثمانية، ورد شيخ الاسلام على البروتوكول باصدار فتوى وجوب الجهاد على كل مسلم ومسلمة ثم عقد السفراء الاجانب مؤتمراً في الآستانة فقرروا التمرد على الدولة العثمانية ومما قرروه حرية انتخاب مشايخ القرى والقضاة والبوليس في بلغارياومقدونيا، وقامت الحرب وهُزم العثمانيون المسلمون وبعد ذلك بسنة عقد مؤتمر برلين وقسم حركة الدولة العثمانية في البلقان بين الدول الاوروبية وروسيا. قامت مملكة الصرب والكروات والسلوفاك سنة 1337ه / 1918م واستولت على ما خلّفته مملكة النمسا والمجر من مناطق اسلامية في البوسنة ومقدونيا وشنت على المسلمين حرباً دينيةً وثقافيةً واقتصادية ألحقت بهم القتل والتهجير والردة وبعد الحرب العالمية الثانية سيطر جوزيب بروز تيتو الكرواتي على البلاد واعلن قيام جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الشعبية سنة 1365ه / 1945م. فسارت البلاد على طريق الشيوعية ولحق الاذى بالمسلمين على ايدي عصابة اوستاش الكرواتية، وعصابة جتنيك الصربية، وتمت مصادرة الاوقاف والممتلكات الاسلامية في عموم يوغوسلافيا السابقة ومن جهتها مقدونيا التي خضعت لحكومة يوغوسلافيا الفيدرالية برئاسة تيتو الذي ألغى المراسم الاسلامية سنة 1366ه / 1946م. وهو انشأ في سكوبيا مقراً شكلياً للهيئة الاسلامية العليا ثم اصدر قانون الطوائف الدينية سنة 1373ه / 1953م وبموجبه اغلقت المدارس الاسلامية، ومُنعت الدروس الدينية في المساجد والجوامع. ولكن تيتو مات ثم انهار الاتحاد اليوغوسلافي سنة 1990م / 1410ه. واستقلت مقدونيا وحافظ الصرب على علاقات خاصة، وجرى تزوير للوائح الاحصاء السكاني المقدوني وجراء ذلك اصبح المسلمون ثاني طبقة اجتماعية واحتل الروم الارثوذكس المرتبة الاولى، وما زالت مأساتهم مستمرة تحت سيطرة حكومة يدعمها اليونان والصرب الروم الارثوذكس. * زميل ابحاث في جامعة سواس لندن.