دعت السلطة الفلسطينية "القوى المناصرة للسلام" إلى الاقتراع لايهود باراك، في تدخل مباشر في الانتخابات الإسرائيلية يعد سابقة، وقد ينذر بتأجيج أزمة سياسية صامتة بين السلطة و"عرب إسرائيل" الذين أجمع معظم قادتهم وأحزابهم على معاقبة زعيم حزب العمل لمسؤوليته عن سقوط 13 شهيداً فلسطينياً أثناء تظاهرات نظمها فلسطينيو العام 48 غداة اندلاع الانتفاضة. في غضون ذلك، أفادت مصادر ديبلوماسية في عمّان أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل ستجريان مناورات عسكرية مشتركة شمال الدولة العبرية الأسبوع المقبل لتتزامن مع الانتخابات الإسرائيلية في السادس من شباط فبراير المقبل، موضحة أن الهدف منها توجيه رسالة تحذير إلى كل من سورية والعراق. لم تمضِ ثلاثة أيام على "بيان طابا" الذي عدّه المراقبون محاولة دعم فلسطينية لباراك، في سباقه الانتخابي مع منافسه ارييل شارون، حتى خرج وزير الثقافة والإعلام الفلسطيني ياسر عبد ربه بنداء وجهه عبر اذاعة "صوت فلسطين" إلى "القوى المناصرة للسلام"، داعياً صراحة إلى التصويت ضد زعيم ليكود "فلا تكون هناك ورقة بيضاء أو موقف محايد، لأن ذلك يخدم شارون". وكان المسؤول الفلسطيني أدلى بحديث ضمنه مثل هذه الدعوة، مثلما أدلى نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديموقراطية، بحديث يصب في الاتجاه نفسه. وبدا واضحاً أن هذا الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية يصطدم مع رغبات فلسطينيي العام 48 الذين يميلون إلى مقاطعة الانتخابات أو عدم التصويت التقليدي لمرشحي حزب العمل، بوضع ورقة بيضاء في الصناديق... حتى وان كان المستفيد شارون نفسه الذي عادة ما يقاطعه هؤلاء. ومرّد هذا الموقف إلى الأزمة القائمة بين حكومة باراك و"عرب إسرائيل" الذين هالهم سقوط 13 شهيداً في تظاهرات دعم للانتفاضة، وكانوا يتوقعون، بفعل مواطنيتهم في "دولة ديموقراطية"، أن يتم التحقيق في هذه المجزرة، وان يقدم رئيس الوزراء اعتذاراً إليهم. لكنه لم يفعل سوى التعبير عن الأسف. وعلمت "الحياة" ان بعض قادة السلطة حاول بعد صدور "بيان طابا" التدخل لدى قيادات فلسطيني ال48 داعياً اياهم إلى الاقتراع لباراك. لكن هؤلاء لم يقتنعوا، معتبرين أنهم يعيشون في دولة تدعي المساواة بين مواطنيها، في حين ان تصرف باراك يجعلهم يشعرون كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة. وتقود "لجنة ذوي الشهداء ال13" حملة تدعو إلى مقاطعة الانتخابات لمعاقبة زعيم حزب العمل، لأن المقاطعة "تعبر عن رفض المشاركة في اختيار قاتل أطفالنا". وقال بيان للجنة: "إن المقاطعة ليست موقف احتجاج فحسب، وإنما هي فعلاً موقف سياسي من الخيارات وأصحابها". ويميل بعض قادة عرب 48 إلى التمييز بين موقف الرئيس ياسر عرفات وبعض أركان السلطة من هذا الأمر. ويشير هؤلاء إلى أن الزعيم الفلسطيني تعمد في دافوس سويسرا الهجوم على باراك ليحول دون اللقاء الذي كان مقرراً بينهما، "كأنه بذلك لا يغفر للزعيم الإسرائيلي الجرائم التي ارتكبها خلال الانتفاضة من قتل نحو 350 فلسطينياً وتدمير كل البنى والهياكل التي بنتها السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو، وكأنه أيضاً يدرك سلفاً استحالة فوز باراك، مكتفياً ببيان طابا الذي لم يحرز تقدماً جوهرياً في مسيرة التسوية النهائية بقدر ما كان محاولة غير مباشرة لدعم زعيم حزب العمل في السباق إلى رئاسة الوزراء". ورداً على تصريحات حواتمة لصحيفة "هآرتس"، لم يتردد النائب عزمي بشارة في توجيه انتقاد علني إلى حواتمة ومطالبته بعدم التدخل "لأننا لا نحتاج من يلقننا دروساً في الوطنية". وفي قراءة لمواقف الأحزاب العربية، فإن القائمة العربية الموحدة الممثلة بخمسة نواب في الكنيست، والتجمع الوطني الديموقراطي الممثل بالنائب عزمي بشارة، والحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، وحركة أبناء البلد، أعلنت أنها لن تتزحزح عن موقفها الداعي إلى المقاطعة ورفض المفاضلة بين شارون وباراك. في المقابل، دعت الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، الممثلة بثلاثة نواب، والحركة العربية للتغيير الممثلة بالنائب أحمد الطيبي، إلى التصويت بالورقة البيضاء أو دعم باراك في حال حصول مستجدات على العملية التفاوضية مع الفلسطينيين. ومن ناحيته، رأى الصحافي زهير اندراوس، محرر أسبوعية "كل العرب" الصادرة في الناصرة، ان المواطنين العرب بقرارهم المقاطعة، إنما يتصرفون كأقلية قومية لها موقفها المستقل. وقال: "إننا نصوّت للشهداء الذين لم تجف دماؤهم بعد، ونعلن للمرة الأولى منذ النكبة عام 1948 طلاقاً أبدياً من حزب "العمل" ونثبت له اننا لم نعد مجرد احتياطي أصوات ليس إلاّ". وكان اندراوس نشر أول من أمس مقالاً في موقع الانترنت لصحيفة "يديعوت أحرونوت" تحت عنوان "لا تتدخل: عرفات!" ناشد فيه السلطة الوطنية الفلسطينية، مع كل الاحترام لرموزها وتاريخها النضالي الحافل، عدم التدخل "بعد أن نصحتنا في المرة الماضية بالتنازل عن ترشيح عربي لرئاسة الحكومة ودعم باراك، فقبلنا النصيحة، لكن باراك أثبت أن إسرائيل تسير نحو سياسة العزل العنصري الابرتايد تجاه المواطنين العرب". والسؤال الذي يطرحه الجميع: كيف ستتطور هذه الأزمة؟ فلسطينيو 1948 يعتبرون أنفسهم أكثر خبرة في تقرير هذا الأمر، باعتبار أنهم معنيون به مباشرة، ويرون أن السلطة الفلسطينية لا تنظر إلى الموضوع إلا من زاوية سياسية واحدة تتعلق بالمفاوضات، وهم يتمنون أن لا يصلوا إلى مرحلة من المواجهة السياسية معها، ويتمنون ان تستشيرهم وتستمتع إلى آرائهم، قبل أن تتخذ مواقف علنية تؤدي إلى الاختلاف. مناورات أميركية - إسرائيلية وقالت مصادر ديبلوماسية غربية في عمان، امس، ان المناورات العسكرية المشتركة بين الولاياتالمتحدة واسرائيل تهدف الى تحذير سورية والعراق، بعد سماح سورية لقوات عراقية بالانتشار قرب حدودها، فضلاً عن تحذير حزب الله من القيام بأي عملية ضد اسرائيل خلال الانتخابات او بعدها مباشرة. وقالت المصادر إن كتيبة تابعة للفرقة الاميركية الرقم 69، التي تعسكر في فرانكفورت، ستشارك في المناورات التي تتضمن تجربة الجيل الثاني من صواريخ "باتريوت" المضادة للصواريخ، وكانت الولاياتالمتحدة طورته بالتعاون مع اسرائيل. ومعلوم ان الجيل الاول من تلك الصواريخ استخدم لحماية اسرائيل من الصواريخ التي اطلقها العراق عليها غداة اندلاع حرب الخليج الثانية. وكشفت المصادر ان القوات الاميركية، التي يقدر قوامها بنحو 500 جندي، ستصل الى اسرائيل في الرابع من الشهر المقبل، وستجري المناورات المشتركة في الثامن من الشهر نفسه. واشارت المصادر الى ان اسرائيل والولاياتالمتحدة "لا تستبعدان تماماً احتمال قيام العراق بخطوة استفزازية لإحداث بلبلة في اسرائيل خلال الانتخابات او بعدها مباشرة، او قيام حزب الله بعملية مماثلة". وأكدت المصادر ان واشنطن بعثت رسالة تحذيرية ازاء استمرار سورية في تقديم دعم لوجيستي لحزب الله، ورفض لبنان نشر قواته على حدوده المتاخمة لاسرائيل.