تتواصل منذ ثلاثة أيام أعمال "المنتدى الاجتماعي العالمي" في مدينة بورتو ألليغري البرازيلية، بمشاركة أكثر من خمسة آلاف شخص يمثلون نقابات وبلديات وحركات اجتماعية ومنظمات بيئية ونسائية، إضافة الى حوالى ألف سياسي وصحافي وكاتب من القارات الخمس. وشكل هذا المؤتمر "المناهض للعولمة"، رداً على قمة المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقدة في دافوس. تحوّل حفل افتتاح المنتدى الاجتماعي العالمي الأول في بورتو الليغري البرازيلية وما تلاه من مسيرات جابت شوارع المدينة، الى تظاهرة إنسانية تداخلت فيها الشعارات وامتزجت الأعلام، منتجة "موزاييك" الوان يشبه التنوع الذي يميز المشاركين في المنتدى ولو تشابهت هواجسهم. وإلى جانب الكلمات التي تليت، وعرضت فيها المعالم الاقتصادية الوحشية للعولمة وانعكاساتها الاجتماعية والسياسية في أرجاء المعمورة، قدمت مداخلات ركزت على أن البديل ممكن، وأن بعض التجارب القائمة في عدد من مدن العالم ومناطقه، تثبت أن النيوليبرالية ليست قدراً، وأن البشرية قادرة على ابتكار نظم حكم وإدارة لا تقوم على الاستغلال وتوسيع الفروقات بين الناس. وجرى عرض مفصل لتجربة ولاية "ريو غراندي دو سول" البرازيلية حيث تقع مدينة بورتو ألليغري والتي تعتمد مبدأي الموازنة التشاركية والتربية الشعبية وغيرهما من أساليب الحكم التي ترفع مستوى المشاركة وتنتج ظروفاً اجتماعية أقل ظلماً من تلك السائدة في البرازيل وفي مختلف أنحاء العالم. أما في المسيرات التي تلت الافتتاح، فبقي تشي غيفارا صاحب الحضور الأول تسود صوره وأقواله الرايات والقمصان، وتأتي خلفه رايات الأحزاب والنقابات البرازيلية الحاضرة، ومن ثم شعارات المشاركين من باقي أنحاء العالم. العرب ممثلون... بقضاياهم غير أن الأبرز، وعلى رغم الغياب العربي عشرة مشاركين فقط، كان ارتفاع أعلام فلسطينية وصور للانتفاضة ويافطات دعم لها وهتافات بالاسبانية والبرتغالية تصف إسرائيل كأداة استعمار رأسمالي وكيان بربري غاصب، وتطالب بالتصدي لها وللولايات المتحدة. وفي الحديث مع حاملي هذه الأعلام ومرددي الشعارات، يتبدى انتماؤهم الماركسي الباحث بحسب تعبيرهم، عن هوية جديدة من خلال القضايا العالمية والنضال الأممي، بعيداً عن البقاء حصراً في الأطر الجغرافية والصراعات الاقليمية، على أهميتها. وبالنسبة الى جدول أعمال المنتدى، تنعقد جلساته العامة في فترات الصباح وتقدم خلالها أوراق عمل تحت شعار "ثمة عالم آخر ممكن"، وتتطرق الى قضايا ماكرو-اقتصادية وسياسية، مثل "الانتاج للجميع" و"التجارة العالمية" و"النظم المالية الكفيلة بتأمين العدالة" و"تحويل العلم الى أداة تنمية بشرية" و"بناء الديموقراطية العالمية" و"مفهوم المواطنة الجديدة". ثم يتوزع المشاركون على ورشات عمل بعد الظهر التي تناقش القضايا بالتفصيل إنطلاقاً من التجارب المحلية. وتنعقد يومياً نحو ستين ورشة عمل، يأمل منظموها في الوصول في ختامها الى صيغة مرنة تبقي التواصل بين المشاركين وتوسع شبكاتهم لتعطيها أبعاداً "معولمة" تواجه ببعض أساليبها "العولمة" على طريقة دافوس حيث تنعقد قمة المنتدى الاقتصادي العالمي التي تحظى بلا شك بتغطية اعلامية اوسع واهتمام اكبر من الفاعليات السياسية والاقتصادية السائرة في ركاب "النظام العالمي الجديد". وبالترافق مع الجلسات الصباحية وورشات العمل التي تليها، تنظم في بورتو ألليغري معارض كتب وموسيقى وأشغال يدوية وتوزع المنشورات والصور، كما تكتب على حجارة ينوى عرضها في ساحة المدينة بعد انتهاء المنتدى، قصائد وكلمات باللغات المختلفة. وعلى هامش المنتدى، يجرى التحضير لمناظرة تلفزيونية بين بورتو ألليغري ودافوس ستنتجها محطة آرتي الفرنسية -الألمانية. وينتظر أن يشارك في المناظرة ممثلاً ل"دافوس" رجل الأعمال الهنغاري - الأميركي المعروف جورج سوروس وعدد من القادة السياسيين، فيما لم يتقرر على نحو نهائي بعد، من سيشارك عن بورتو ألليغري. وفي كل الأحوال، تستمر أعمال المنتدى حتى الأربعاء المقبل، ولا ينتظر أن تصدر عنه وثيقة ختامية، بل مجموعة من النصوص والاقتراحات لآليات المتابعة، وتوصية بمكان انعقاد المنتدى المقبل.