جمعية التنمية الاجتماعية الأهلية في عوالي المدينة المنورة تقيم برنامج "خباز البريوش والباريستا"        الجدعان: نواجه تحدي التخفيف من الاعتماد على النفط    تبوك: عروض جوية بمناسبة اليوم الوطني    السعودية.. دعم سخي لإنقاذ اليمن    يوتيوب: زدنا «Shorts» إلى 3 دقائق    ولي العهد يهنئ السلطان حسن البلقيه    خطوات متسارعة لتحقيق مستهدفات رؤية المستقبل    لمدة 5 أيام.. التعليم تحتفي باليوم العالمي للمعلم    15 يوماً مهلة لضبط أقوال مخالفي أحكام نظام إمدادات الطاقة    القضاء في العهد الزاهر.. استقلال ومؤسسية وعدالة ناجزة    ذكرى البيعة    جامعة الطائف تقيم معرض «اسأل صيدلي»    احموا أطفالكم.. لا تعطوهم الجوال    5 معادن «تُحصّن» جسمك من عدوى الفايروسات    أكبر الفعاليات العالمية في قطاع النقل الجوي .. المملكة تشارك في معرض ومؤتمر "روتس وورلد 2024"    من الراحة إلى الأمان    مركز الملك سلمان يكثف مساعداته الإغاثية.. المملكة تواصل جهودها الإنسانية الرائدة في العالم    جهود مكثفة    ضبط (22094) مخالفًا لأنظمة الإقامة وأمن الحدود في مناطق المملكة خلال أسبوع    " النقل" تعتمد شرؤوط تأهيل مراكز التدريب والاختبار للسائقين    خط دفاع من الاندثار والفناء.. مهتمون وناشرون: معارض الكتاب تحافظ على ديمومة «الورقي»    محبو العلوم    حضور غفير لمسابقة "مثايل".. إبداعات شعرية على مسرح معرض الرياض    الاختراق    ضمن تصفيات مونديال 2026.. الأخضر يبدأ الاستعداد لمواجهتي اليابان والبحرين    بحث مع الوزير الفرنسي المستجدات .. وزير الخارجية ونظيره المصري يؤكدان التضامن مع الشعب اللبناني    دورة الألعاب السعودية والآمال    امرأة تعطس لمدة أسبوعين بلا توقف    طريقة عمل سلطة الأفوكادو بالطماطم    سياسيون مصريون ل«عكاظ»: السعودية قوة سياسية إقليمية وعالمية    تحولات نوعية.. نمو مستدام.. البطالة لأدنى مستوى تاريخي    خالد العيسى: من الصعب الفوز على 12 لاعب من الهلال    إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت    «صُنّاع الحداثة والتنوير والتنمية».. إصدار جديد للدكتور عبدالله المدني    حفل لندن.. باهر ولكن !    سباق الملواح..    جدول ترتيب الدوري السعودي بعد فوز الهلال على الأهلي    ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟    نصر جديد مع بيولي    الشركات العالمية.. تتجاوز المستهدف    سعود بن نايف: الملك جعل همه الأول الوطن والمواطن    حكمة ملك وازدهار وطن    فلاتة يخطف ذهبية المصارعة    المملكة تشارك العالم في الاحتفاء بيوم المعلم    السياحة تطلق تقويم «شتاء السعودية»    «هيئة العقار» تعلن بدء أعمال السجل العقاري ل 26 حيّا بمدينة الدمام و14 حيا بمحافظة الخبر    غارات جديدة على الضاحية.. واشتباكات بين حزب الله وقوات إسرائيلية    ذكرى غالية ومجيدة    الإدارة العامة للمجاهدين تشارك ضمن جناح وزارة الداخلية في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024 بمَلْهَم    ضبط شخص في جدة لترويجه (8) كيلوجرامات من مادة الحشيش المخدر    تقدم مستدام واقتصاد متجدد 10 سنوات من الحكم الرشيد تطلق النمو الاقتصادي وتحقق التنمية    الألفة مجلبة للتعاون على البر والتقوى    المدبر هو الله.. لا تقلق    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    "سلمان للإغاثة" يدشّن مشروع توزيع المساعدات الغذائية للأسر الأكثر احتياجًا في جمهورية قرغيزستان    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاءمع ادغار موران عن اللحظة الراهنة للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي . إما سلام يوافق عليه الطرفان وإما ضغط قوي من القوة الكبرى بأسلوب العصا والجزرة 1 من 2
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 2001

} أكثر من مرة، ومنذ سنوات، عبّر ادغار موران المفكر الفرنسي الأكثر شهرة عن رأيه في الصراع العربي - الإسرائيلي وموضوع الحقوق الفلسطينية بجرأة أثارت، إما ردود فعل صاخبة أو "صمتاً متفقاً عليه".
عاين صاحب التركيبية موضوع الصراع من وجهة نظر الحقيقة الإنسانية أولاً قبل ان ينحاز الى أحد طرفي الصراع. يتمسك بأصوله الأوروبية ومواطنته الفرنسية التي ورثها عن والده المهاجر من سالونيك. فمن البوسنة الى فلسطين دعا المفكر الى امكانات التعايش ضمن ما يسميه بالقدر المشترك.
"وحده عالم ومفكر في مستوى ادغار موران بوسعه ان يحيط بمجمل المشكلات التي على الإنسان ان يعد العدة منذ الآن لمواجهتها عند نهاية هذا القرن وبداية القرن الواحد والعشرين".
هكذا كتب على غلاف كتابه "مقدمات للخروج من القرن العشرين".
ولد في العام 1920. مقاوم ضد النازية. وهو خلال المقاومة أصبح "موران" وأبقى على اسمه في المقاومة، بعد ان كان اسمه قبل ذلك ادغار ناحوم. عالم اجتماع مرموق وهو أكثر شهرة في الولايات المتحدة على رغم شهرته الكبيرة في بلده فرنسا، وهو المفكر الأكثر قراءة في أوساط الشبيبة. رئيس مجلس العلوم الفرنسي. له عشرات المؤلفات منها: الإنسان والموت، المانيا في الدرجة الصفر، اشاعة اورليون، الطريقة - في أربعة أجزاء، فيدال وذووه، التفكير باوروبا، الخروج من القرن العشرين...
يعتبر موران مؤسس التركيبية في علم الاجتماع الفرنسي، وهو مفكر من الصعب تصنيفه. فأعماله جامعة للرواية والفلسفة والتاريخ وعلمي الاجتماع والنفس والانتروبولوجيا. في فرنسا يمثل النموذج الأهم في الفكر الحر. له مواقف معروفة خلال حرب الخليج التي وقف ضدها، عرضها حينها في سلسلة من المقالات. كذلك مقالاته الجريئة عن فلسطين والبوسنة. تخلى كلياً عن يهوديته بل انه يرفضها كلياً، ويعتبرها دين اللاتسامح. يعبر غالباً عن نفسه كشرقي - متوسطي.
داعية العلمانية والتسامح والتجذر في الأوطان، وهو يدعو أيضاً الى الوعي بوحدة المصير الانساني كما عبر في كتابه "الأرض - الوطن".
بعد صمت نسبي طال ثلاث سنوات لم يكتب فيها ادغار موران افكاره عن التطورات السياسية في الشرق الأوسط، وغاب عن النقاش الدائر في الساحة الفرنسية، وهو في هذا الحوار الخاص ب"الحياة" يصرح بمخاوفه ويتعلق بقوة بآماله.
منذ زيارة ارييل شارون الى المسجد الأقصى في 28 أيلول سبتمبر الماضي فاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، سال دم كثير هناك ومثله من الحبر هنا في فرنسا. كتبت الكثير من المقالات، بين مدافع عن الحقوق الفلسطينية ومبرر للقمع الاسرائيلي. في الغالب كانت الكتابات الفرنسية تدين الاحتلال والقمع الشرس للانتفاضة وتطالب بتنفيذ اتفاقات السلام. لكنك، وقد كتبت في الماضي أكثر من مرة مدافعاً عن حق الفلسطينيين في دولة، كنت غائباً هذه المرة؟
- كنت غائباً بشكل نسبي، فقد كتبت مقالة في مجلة "فرنسا - فلسطين" كما شاركت في ندوة نظمتها القناة الخامسة في التلفزيون الفرنسي ضمن برنامج ريبوست Riposte، كان شمعون بيريز بين المشاركين وكان موقفي واضحاً. صحيح اني لم أكتب مقالة لكنها تغلي في ذهني. انطباعي الشخصي اني لم أكن غائباً تماماً، لكني لم أكن حاضراً بشكل قوي كأن أكتب مثلاً مقالة في صحيفة "لوموند".
لكن، يبدو لي ومن وجهة نظري الشخصية ان تأخرك ناجم عن خيبة. أذكر أنك كنت متفائلاً بالسلام قبل سنوات. لقد علقت في كتابك "شياطيني" على المقالة التي نشرتها في العام 1989 حين زار عرفات فرنسا أيام الرئيس ميتران والتي كان عنوانها "اسمعي يا اسرائيل" مضيفاً ما معناه ان الدولة الفلسطينية قائمة قريباً، على رغم انك تبدي بعض الحذر معبراً عن ذلك بأن الأمل ضعيف!
- نعم كنت من أولئك المتفائلين بعد قمة مدريد واتفاق اوسلو لكني لم أكن بين الكثيرين الذين كتبوا بثقة مطلقة في أن مسيرة السلام ماضية من دون عراقيل. فلم أفكر أو أكتب بشكل يقيني، فأنا أعرف ان ليس ثمة يقين تاريخي مطلق وان جهد السلام عرضة للهدم. لقد أتبعت تلك المقالة بمقالة أخرى، نشرت في صحيفة "ليبراسيون" قبل ثلاث سنوات، حيث حاولت توضيح المشكلة من دون مبالغات في الآمال. ان اموراً كثيرة خطيرة حدثت مذذاك. ليس بحسب التأخر الاسرائيلي في تنفيذ الاتفاقات المبرمة والمتعلقة بالانسحاب من الأراضي المحتلة بل في استمرار بناء المستوطنات بما في ذلك بعد مجيء باراك، بما يعني ان هناك سياستين في وقت واحد: سياسة للتفاهم وأخرى تمنع التفاهم! إننا امام سياسة استيطانية بالمعنى الحرفي. في مقالة "ليبراسيون" كنت بين القلق والأمل معاً، ذلك ان الحوار كان قائماً حينها. لكننا اليوم نقترب من مرحلة حاسمة، فكلينتون غادر البيت الأبيض ومع هذا فإني أحتفظ بومضة من الأمل بأن اتفاقاً قد يتم بصيغة ما. هذا مع الاحتفاظ بمسافة فيها شكوك وخوف بما سيحمله المستقبل.
نحن اليوم بعد عشر سنوات من مؤتمر مدريد، ألا يبدو لك اننا كما في رواية تعود بنا أحداثها الى الوراء؟ الانتفاضة قائمة واسم بوش يعود مع كولين باول وجرجيان وبيكر، كأننا سندعو الى مؤتمر مدريد من جديد كما لو اننا لم نتقدم خطوة منذ عشر سنوات؟
- هناك عودة للوراء وهناك تقدم الى الأمام. ما الذي تقدم الى الأمام؟ هناك أولاً رفع القدسية عن موضوع القدس، في الجانب الرسمي الاسرائيلي على الأقل، والاعتراف بأن باحة المسجد الأقصى ينبغي ان تكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار الجانب الأسطوري المقدس الذي يدعي ان القدس هي العاصمة الأبدية لاسرائيل، كذلك الأخذ بمبدأ تجميع بعض المستوطنات في محاذاة الحدود والجلاء عن مستوطنات في غزة وأخرى في نواح عدة من فلسطين. اضافة الى هذا حصلت خطوة للأمام تتعلق بتحسن ضعيف يخص حدود الدولة الفلسطينية التي هي اليوم مقطعة بشكل غريب. إذاً هناك خطى الى الأمام لكنها لم تثبت في اتفاق رسمي. أما التراجعات ففي مقدمها ان اتفاق كامب ديفيد متوقف، وان وساطة كلينتون كانت منحازة، واننا، من جديد، في أوضاع حرب. حرب من نوع خاص، فلا هي حرب شاملة ولا هي حرب باردة. انها حرب في اطار خاص، لكنها في نهاية المطاف حرب. التراجع الآخر يتعلق بالرأي العام الاسرائيلي الذي كان في معظمه مع مسيرة السلام والاعتراف بالدولة الفلسطينية - وهو أمر معترف به مبدئياً - لكن هذا الرأي العام الذي كان معظمه مع السلام، نراه اليوم ممزقاً ومتخاذلاً بسبب عوامل سيكولوجية - سياسية. ذلك ان كرماً اسرائيلياً لم يتجاوب معه عرفات - ان هذا الكرم المزعوم هو في حد ذاته تراجع - حيث ان ظاهرة عودة انتفاضة الحجارة اضافة الى تبادل اطلاق النار، أسست، من جديد، لعامل في غاية الأهمية، هو في الوقت نفسه اسرائيلي ويهودي، هو عامل التهديد بفناء اسرائيل. في هذا العامل تركن عناصر نفسية ذات انحدار تاريخي يمثلها شبح "أوشفيتز". السلطة الاسرائيلية والجهات النافذة معها في العالم تفعل كل شيء من أجل الحفاظ على هذا الشبح الماضوي كي يبقى معاصراً. هناك أيضاً ان اسرائيل حتى في لحظاتها الأقوى عسكرياً بل المدمرة عسكرياً، تظل تشعر بالخطر، من دون اتفاق سلام. فهي وسط عالم عربي أكبر منها بشرياً، وفي نهاية المطاف ستظل تشعر انها مهددة في المستقبل. ان حالتها شبيهة بمملكة عكا الصليبية. حال الهوس اليهودي - الاسرائيلي والشعور بالتهديد يضعفان قوى السلام في اسرائيل. بالطبع، أعتقد، وكما قال شمعون بيريز: إذا كان هناك اتفاق حقيقي للسلام فإن الحاجة القوية للسلام بين السكان وعبر استفتاء عام ستفرض الاستجابة للسلام. لكن الواقع الانساني معقد، فالاسرائيليون يعيشون وعياً مزدوجاً: وعي الخوف من الرفض أو الإبادة... الخ ووعي انهم في النهاية سيعيشون بسلام.
هذه نظرة شاملة تجعل من الأشياء أكثر صعوبة في الجانب الاسرائيلي، مع الأخذ في الاعتبار تطور الصراع ومرور الزمن، مما يجعل، وفي الجهتين، القوى الأكثر راديكالية تدخل في حلبة الصراع. ففي الجانب الاسرائيلي هناك الذين يقولون ان الله وعدهم بالجليل والسامرة وهناك الذين يدعون - عن خطأ من الناحية الاستراتيجية - أن أمن اسرائيل يستوجب احتلال فلسطين كلها. وفي الجانب الفلسطيني نستطيع القول ان موقف حركة "فتح" التي تشارك في الانتفاضة يسهم في التأجيج، وهو أمر مفهوم، فلا بد لها من المشاركة في الانتفاضة. هناك أيضاً موقف عرفات الذي لا يحظى بالفهم لدى الجانبين، مهما فعل. هذه الراديكالية تؤجج الكراهية والتطرف. في تقديري الحال اليوم مأسوية، الا اذا حدثت معجزة، وهذا ليس ضرباً من المستحيل. نحن نمضي اليوم باتجاه منعطف تاريخي ستكون له نتائج وخيمة جداً. هناك كما قلت خطوة الى الأمام وخطوة الى الوراء. حالياً نحن في وضع صعب جداً، وربما نحن أمام الفرصة الأخيرة للتقدم خطوة الى الأمام. ربما في أيام ثلاثة أو أربعة. سنرى، أحاول المراهنة.
لكن، ما لم ينجح به رئيس اميركي مثل كلينتون في ولايتين، هل سينجح به رئيس جديد، لا يملك كل مفاتيح الملف؟
- لنرجع قليلاً الى الماضي. فعلى العكس مما توقعه البعض ومن ضمنهم أنا، ففي اللحظة العراقية بعد غزو الكويت وقبل اندلاع الحرب، كنت من أنصار الرأي القائل إنه إذا انسحب صدام حسين من الكويت ينبغي عقد مؤتمر حول مشكلة الشرق الأوسط. لكن الأمور لم تجر على هذه الصورة. بل العكس لأن وجهة نظر الأميركيين لا تريد الربط بين المشكلتين. غير أنه حالما انتهت حرب الكويت فإن إدارة بوش الأب ضغطت من أجل عقد مؤتمر دولي على رغم وجود رئيس حكومة إسرائيلية متصلب، فظ، أقصد شامير. انطلاقاً من هذا يمكننا الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية الجديدة قد تفعل شيئاً. المشكلة اليوم مثل دملة ينبغي فقؤها. صحيح أن الولايات المتحدة تعيش حالاً متناقضة فهي ليست البلد الذي يضم لوبي إسرائيلياً في غاية القوة فحسب بل، ينبغي التفكير بهذا. إن الغالبية الأميركية هي بروتستانتية، بما يعني أن للكتاب المقدس اهمية فائقة. بالنسبة لكثير من الأميركيين، جمهوريين أم ديموقراطيين، فإن مساندة إسرائيل ليست امراً استراتيجياً فحسب، بل مسألة عاطفية أيضاً. التناقض الآخر هو أن الولايات المتحدة في حاجة الى سياسة عربية بالحد الأدنى، على الأقل باعتبار أنها تسيطر على اقليم نفطي شاسع ذي أهمية عالمية يلعب دوراً جوهرياً في السياسة الدولية. بالطبع فإن هذا أيضاً يخلق علاقات غريبة، فبلد مثل مصر حين يعبر عن استقلاليته في شأن كالشأن الفلسطيني نلاحظ، أنه في الوقت نفسه مكبل بالمساعدات والقروض الأميركية، وما من ضرورة للحديث عن بلاد عربية أخرى. من جانبي لا أستبعد ان تقوم الإدارة الأميركية الجديدة، خصوصاً في أزمة طاحنة كما هي اليوم، بعمل شيء إضافي... ما الذي يمكن ان يوقف هذا التدحرج نحو الهاوية؟ شيئان: اما اتفاق سلام يوافق عليه الطرفان أو ضغط قوي من جانب القوة الكبرى، أي الولايات المتحدة. الأمور تتعقد يوماً بعد يوم. هناك احتمال ان يقوم الجيش الإسرائيلي بغزو قطاعات السلطة الفلسطينية وحسم الأمور لبضعة شهور. بالتأكيد ستكون هناك مقاومة وحرب مدن. أعتقد أن على الولايات المتحدة، واقعياً، أن ترمي بثقلها. لكن، دائماً في السياسة، كما تعرف، ليست الواقعية هي التي تنتصر بل العوامل الأخرى.
في العمق هناك بؤرة، هذه البؤرة التي اشتعلت مع الانتفاضة لها اتجاهان. ما هو إيجابي فيها أنها أوصلت إلى وعي الرأي العام الدولي الحال القائمة والتي لم تنفذ فيها أي شروط ضرورية باتجاه السلام. تقول إن هناك مشكلة حقيقية، على العكس مما كنا نتصور ونقول إن كل شيء جاهز، الاتفاقات والحلول... الخ. لكن ما هي الحال اليوم؟ لا أستبعد تدخلاً أميركياً خصوصاً إذا علمنا ان بوش الرئيس الجديد قليل التجربة، لكنه سيتوجه للفريق القديم الذي كان برفقة والده.
لكن، أتسمح الحال الإسرائيلية الداخلية بذلك. الاستفتاءات تعطي حظ الفوز في الانتخابات القادمة الى شارون. نعرف شارون ونعرف الحلول التي طرحها سابقاً للخلاص من الانتفاضة والتي سينفذها لو أتيحت له الفرصة. أي إعادة احتلال فلسطين كلها!
- هذا ممكن. شارون هو المسؤول عن مذبحة صبرا وشاتيلا حين غزو لبنان. نعرف أن الكتائب نفذت المذبحة لكن بتوقيت وحماية منه... هذا ما اعتقده. في ما يتعلق بباراك. أعتقد أنه لا يمثل أكثر من صفر، بل لا يمثل شيئاً لا السلام ولا الحرب. لكن، لو كان باراك يمثل السلام عن قناعة ربما استطاع قلب نتائج الاستفتاءات. لذلك يبدو أن فرصة الساعات الأخيرة مهمة. أما إذا كان لا يستطيع تمثيل السلام فإن تغييراً كلياً ما زال ممكناً ليستبدل بمرشح آخر هو شمعون بيريز الذي يمكن نجاحه في شروط أخرى، لكن ليس في الأوضاع المرَضية الحالية. الحال الذهانية الراهنة للمجتمع الإسرائيلي يمكن تجاوزها باتفاق جدي وإلا فالأمور ستؤول الى رجل من نمط شارون. في هكذا حال، هل يستطيع شارون عمل شيء؟ لا ننسى أنه في الماضي قد وافق على الجلاء عن المستوطنات في سيناء.
لكنه حينذاك كان تحت سلطة بيغن!
- نعم، كان بيغن من المتشددين لكنه وافق على إعادة سيناء على رغم أهميتها. لا يمكننا رفض أي احتمال، لنتذكر أن بوش الأب قال في حينه أنه سيوقف المساعدات إذا لم تقدم إسرائيل بعض التنازلات. كان الوحيد الذي، كما يقول المثل الفرنسي، حرك العصا مع الجزرة. إذا لم تحرك الولايات المتحدة العصا مع الجزرة في حال فوز شارون فإننا سنمضي باتجاه مغامرة قاسية النتائج.
المعجزة الإسرائيلية في الشرق الأوسط كانت الديموقراطية أيضاً. لكن الثنائي شارون باراك القادمين من الكوماندو الإسرائيلي الخاص لا ينفكان عن اللعب مع السلام. إذا كان نتانياهو بقي ثلاث سنوات في خطاب واضح ضد السلام، فإن باراك لم يبق أكثر من عام ونصف في لعبته الغامضة. كل هذا اللاوضوح ألا يضع الديموقراطية الإسرائيلية موضع تساؤل؟
- لا ننسى أن رابين كان جنرالاً، على العكس، ففي توجه ديموقراطي من هذا النوع، ليس غير الجنرال قادر على بعث الثقة في نفوس المدنيين. هناك حال ديغول. من الذي صنع السلام في الجزائر؟ في رأيي ليس لأنه جنرال، بل لأن هذا الجنرال باراك لم يمارس سياسة حقيقية، وسياسته كانت الاستيطان والمتاجرة. لا يتعلق الأمر بقيمته كجنرال بل بجانبه المراوغ والمتردد الذي كان أسهم في سقوطه وسقوط المحادثات. الديموقراطية الإسرائيلية معرضة للالتهام في حال وجود اتفاق سلام. ففي هذه الأثناء قد يحدث انقلاب عسكري بقيادة الجنرالات كما حدث في الجزائر، مستنداً على رفض اتفاق السلام فارضاً حال الطوارئ والديكتاتورية كما حدث في الأرجنتين أو اليونان... لكن ما يخيبني اليوم، وإسرائيل تعيش حال ديموقراطية، هو أن غالبية الرأي العام الإسرائيلي مع استعمال القوة وليس مع التفاوض. إنها مأساة من مآسي الديموقراطية!
لنعد الى الخوف. إذا كان خوف الإسرائيليين مبرراً تاريخياً فإنه اليوم يبدو غير مبرر.
- أقاطعك، إنه مفهوم تاريخياً بالنسبة للذي يحاول استقراء الظاهرة. تستطيع وضع الصراع العربي - الإسرائيلي ضمن تصورات مختلفة. هناك بشر جاؤوا من الخارج الى أرض فيها شعب هم الفلسطينيون. الذين جاؤوا مستعمرون يمثلون الغرب على رغم ان بينهم شرقيين، لكن التقنية والعقلية التي يحملونها غربيتان، وهم مدعومون من الغرب وفي المقام الأول الولايات المتحدة. حسناً هؤلاء المستعمرون هم الأقوى، وفي الجانب الآخر الفلسطينيون هم الأضعف تسليحاً. هذا ما كتبته وقلته وهو بديهي. حاول ان تفهم ما لا يدخل في هذا التصور وما لا يقول عكسه ولكنه شيء إضافي.
ما الذي حدث؟
الحركة الصهيونية خرجت كرد فعل على اللاسامية الأوروبية. إنها ليست حركة مستعمرين تقليديين كحال الإسبان في أميركا الجنوبية أو الأنكلو - ساكسون في شمال اميركا. فالوافدون هنا هاربون من حال اللاأمان والاضطهاد والإذلال، ثم هناك من يصل بعد تجربة "أوشفيت" وليس بمستطاعهم العيش بعد ذلك في الغرب. ما الذي يحمل هؤلاء معهم؟ إنهم يحملون فكرة الأمان النهائي. فكرة وهمية، ذلك أنهم يجدون لا أماناً آخر يختلف عن الأول، لكنهم واثقون من تجاوز ذلك الآن لديهم جيشاً اسمه تساهال. هذا التساهال يصبح ضماناً لكل شيء، فهو الذي يضمن الأمان! ولكن، خلال ذلك، كانت الحروب الماضية، وهناك صورة المستقبل في مواجهة هذا الحشد الكبير من الشعوب العربية التي تكرههم. ما العمل اذاً؟ في هذه الحال، نشأت الفكرة الأكثر شيطانية في الدعاية الإسرائيلية والمؤسسات اليهودية العالمية التي تقول لليهود في العالم قاطبة: انظروا لستم في امان تام، عاجلاً أم آجلاً ستتبعكم اللاسامية بينما في إسرائيل أنتم في وطنكم. وهذا يعطي الشعور لأكثر اليهود في أنهم مواطنون لدولة إسرائيل أكثر من انتمائهم لأوطانهم الأصلية. ولإذكاء هذه الأفكار في شكل دائم لا تنسوا "أوشفيتز" هناك أيضاً "مسيو بابون". جملة من الأحداث المتتابعة التي توقظ دائماً هذه المشاعر. في كهذا حال ليس من ملجأ لهؤلاء غير إسرائيل. في اسرائيل نحن في بلدنا، لكن ثمة من يعترض على وجودنا هنا وهم الفلسطينيون. لكنهم بالطبع ينسون ان وطنهم قد استلب من آخرين كانوا يعيشون فيه. هذه البسيكولوجيا، بحسب تقديري، هي العائق الأساسي. وبعض الأحيان نحن أمام ظواهر عدم ثقة مرضية. نعلم اليوم ان أنور السادات طلب من غولدا مائير قبل حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 ان يزور إسرائيل، ربما ليفعل ما فعله بعد سنوات من ذلك. العجوز غولدا قالت ان هذا شيء غريب وأنا أشك. هذه هي حال اللاثقة.
حينما حطت طائرة السادات كان الإسرائيليون يتوقعون خروج رجال الكوماندو المصريين ليبيدوا قادة إسرائيل!
- على كل حال، هناك ظاهرة بسيكولوجية في غاية الخطورة هي: كيف الثقة بهؤلاء الإسرائيليين الذين خانوا دائماً مواثيقهم في ما يخص الفلسطينيين؟ هناك الكراهية، تستطيع ان تقول ان الكراهية تأتي من الجانبين. لكن كراهية هؤلاء الذين استلبت أرضهم! تستطيع ان تسأل شيوخاً في غزة أو أي مكان آخر سيقولون لك: متى سنرجع الى وطننا؟ هناك حال هؤلاء الذين استلب منهم كل شيء. هذه الظواهر المريعة في الجانبين، كيف الخروج من ذلك؟
اعتقد ان المخرج الوحيد هو عبر افعال تخلٍّ متبادلٍ وسمو نفس متبادل. في التراث الاسلامي نجد آثاراً كثيرة لهذا السمو. فصلاح الدين تخلى عن بعض القدس وأعطى الامان، لكن لسوء الحظ إن تراث التوراة لا يحوي الكثير من هكذا أمثلة. ولكن، تخلٍّ عن ماذا؟ ها نحن نقترب من مشكلة اللاجئين. الخطاب الرسمي الإسرائيلي يبالغ في فكرة عودة اللاجئين، مؤكداً انه في حال اعطاء حق العودة فلن يعود هناك من وجود لإسرائيل وان تجزئة إسرائيلية ستتم. لكن، لماذا يبالغون؟ ذلك انه ليس مؤكداً ان الأربعة ملايين لاجئ سيعودون كلهم. فجزء منهم سيبقى في الشتات وآخر قد استقر اساساً. لا بد من تسوية تستطيع ان تجدول عودة هؤلاء بحسب الحاجة. التسوية ممكن ان تتم اذا تخلت اسرائيل بدورها عن "حق عودة اليهود اليها". ففي هذا الموضوع هناك من اللاعدالة ما يفوق التصور. الذين كانوا في أرضهم ليس لهم حق العودة اليها والذين لم يكونوا يوماً هنا لهم حق المجيء. سيكون هناك سلام حينما سيكون هناك تماثل اخلاقي، بسيكولوجي. ربما كان هذا حلماً، نوعاً من اليوتوبيا، لكنها شروط التسوية الحقيقة. يمكننا تصور ان مشكلة اللاجئين ستنظر فيها لجان مشتركة تدرس كل حال، كما في حال البدون أوراق في فرنسا! وممكن الاتفاق على الأمور التقنية في لجان مشتركة مع جانب محايد.
يتحدث البعض عن تدمير مبرمج للفلسطينيين. في ثلاثة اشهر دمر الاقتصاد الفلسطيني أو على الأقل جزء كبير منه. قرأت في صحيفة عربية أن 90 في المئة من هذا الاقتصاد قد دمر. دمر الكثير مما يشكل البنية التحتية للدولة الفلسطينية القادمة، هذا من دون الحديث عن أرقام القتلى بالمئات والجرحى بالآلاف، اضافة الى محاولة إسرائيل تدمير الروح المعنوية للفلسطينيين عبر الف وسيلة. هناك عزم اسرائيلي على تدمير روح المقاومة لهذا الشعب...
- لا بد من التفريق بين حالين. هناك أولاً عملية خنق اقتصاد حديث النشأة، فالاقتصاد الفلسطيني الهش محاصر عبر قطعه عن وسائل الاتصال الضرورية لكل اقتصاد. هناك خنق، وما تعنيه هذه التسمية هي بكلمة واحدة: وقف الحياة.
التدمير يتم عبر الخنق البطيء. من جانب آخر، في مواقع اخرى في شكل خاص حول المستوطنات والأماكن الاستراتيجية. هناك تدمير للأشجار، للكروم، للمزروعات عموماً، عمليات التدمير هذه تتم بسادية حقيقة. لقد شاهدت عبر التلفزيون مستوطنين اسرائيليين يقومون بقطع الاشجار. هناك سيرورة تدميرية. بالطبع هذه السيرورة التدميرية هي جزء من الضغوط والابتزازات كي يوافق الفلسطينيون على الشروط الإسرائيلية، أو دفعهم الى مزيد من البؤس والذل كي يفقدوا في هذه العبودية الأمل والرفعة. ذلك شيء أكيد، وأعتقد ان هذه الظاهرة لم توضع جيداً تحت الضوء، لماذا؟ لأن مشاهد المواجهات في الشوارع واطلاق الرصاص ذات جاذبية اعلامية أكثر، بينما خنق اقتصاد شعب كامل ليست له هذه الجاذبية. فذلك شيء لا يرى جيداً في المشهد.
هناك أكثر من أربعين مصنعاً صغيراً وورشة قد دمرت، سواء بقصف الطائرات أو الدبابات الإسرائيلية وهذا كثير في حال الاقتصاد الفلسطيني الهش!
- هذا شيء أجهله، لكن، هناك حقيقة هي سيرورة التدمير الموجهة نحو النقاط الحساسة اقتصادياً. هذا يوضح جيداً ان هناك سياستين اسرائيليتين في وقت واحد لكننا سنخرج من هذا الالتباس خلال الأيام المقبلة.
الا تعتقد ان اسرائيل قد تغيرت تماماً قياساً لفكرة العالم عنها، فإسرائيل لم تعد بلاد الكيبوتزات، ليست البلد الزراعي بل قوة تكنولوجية كبيرة. انها تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في التكنولوجيا المتطورة، العسكرية منها خصوصاً. انها دولة تهيئ مكانها كقوة تكنولوجية عسكرية كبرى، ليس في الشرق الأوسط فحسب، انما في مستوى عالمي. الا تعتقد ان اسرائيل وهي تهيئ نفسها لهذا، خصوصاً انها تعي قوتها العسكرية، تتصرف كما لو انها حسمت الأمور مسبقاً وما على العرب الا الموافقة؟
- بالطبع انهم قادرون على ذلك، وهذا ما يشل جيرانها مسبقاً كسورية التي تعي تفوق إسرائيل عسكرياً، اضافة الى هذا ينبغي ان نضع بين مزدوجين الرؤوس النووية الإسرائيلية. وان كان الاسرائيليون لا يستطيعون في الظروف الراهنة ان يؤثروا نفسياً عبر تفوقهم النووي، لكن هذا سيكون عاملاً مهماً لاحقاً حينما ستمتلك بعض الدول العربية هذا السلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.