تتابع صفحة "علوم وتكنولوجيا" دخول جائزة نوبل قرناً من تاريخها، في كانون الأول ديسمبر 2001، وتعرّف بنفر من حائزي تلك الجائزة العالمية. ولد ايفان بيتروفيتش بافلول 1849 - 1936 في بلدة رايزان في روسيا، حيث تابع دراساته في العلوم الطبيعية والدين، وعلى نحو ما كان شائعاً في كنائس تلك المنطقة. دخل جامعة بطرسبرغ 1870 وتخصص في علم وظائف الأعضاء أي الفيزيولوجيا Physiology، وتخرج بعد خمس سنوات من الدراسة، تابع دراساته العليا في الكلية الروسية العسكرية ثم في جامعة بريسلاو الالمانية حيث التقى عالم الرياضيات اللامع ليبزغ، مؤسس الرياضيات الرقمية الثنائية. عاد الى بطرسبرغ ليعمل أستاذاً وباحثاً في الكلية العسكرية. ومع اندلاع الثورة الروسية، اشتهر بمعارضته القوية للشيوعية والحزب البولشيفي الذي أمسك بزمام السلطة في روسيا. ورأى البلاشقة وزعيمهم فلاديمير ايليتش لينين، في أعمال بافلوف، وخصوصاً مفهوم الانعكاس الشرطي Conditionel Reflex، تعضيداً للنظرية الماركسية، ودأبوا على ارضاء بافلوف والاحتفاظ به، ومحاورته. وفي أواخر سنيّ حياته، أبدى بافلوف بعض الميل الى آراء الاشتراكية والمادية "العلمية"، على رغم جذوره الدينية وكونه أباً لقسٍ أرثوذكسي. الكلاب والجرس: ميكانيكية الوعي! وفي تجربة صامتة ضمنت له جائزة نوبل في الطب 1904، عمد بافلوف الى دقّ جرس كلما قدم طعاماً الى مجموعة من كلاب المختبر، ثم أخذ يؤخر المدة بين تقديم الطعام وصوت المنبه. ولاحظ ان الجهاز الهضمي في الكلاب ينشط لدى سماع صوت الجرس، فيسيل اللعاب في أفواهها مثلاً، وحتى قبل تقديم الطعام، بل وفي معزل عن الطعام نفسه. ووصف بافلول الأمر بأنه ارتباط بين صوت الجرس وردّ الفعل، أي نشاط الهضم وسيل اللعاب. وعرف المفهوم باسم "المنعكس الشرطي"، أي ان الصوت صار شرطاً لإفراز اللعاب. ولأن نشاط الهضم وافرازاته تسيّرها الأعصاب والدماغ، توسّع مفهوم المنعكسات الشرطية واستخدم لتفسير عدد كبير من العمليات في الأعصاب والدماغ. وأدت تجربة بافلوف وتكراراتها وتطبيقاتها على نواح مختلفة من سلوك الحيوانات، الى القول إن سلوك الإنسان يتراكم عبر سلاسل من منعكسات شرطية تربط بين منبهات وبواعث في البيئة والتربية والعلاقات، وردود الفعل والسلوكيات المترتبة عليها. ومن الواضح ان المنهج الميكانيكي المتمثل في "الفعل ورد الفعل" و"السبب الواحد" و"حتمية النتيجة" في التجربة البافلوفية، هو تطبيق أو تراسل بين منهج نيوتن في الفيزياء وعلوم الطب والسلوك. وفي المقابل، تأثّر بعض علماء النفس بنطرية بافلوف عن المنعكس الشرطي كتفسير للسلوك الإنساني. وعرف ذلك الاتجاه باسم "المدرسة السلوكية". ورأى بافلوف لاحقاً ان بعض كلابه فقد الارتباط بين المنبّه الجرس ورد الفعل اللعاب، وكأنه نسي ما تعلمه. واستنتج السلوكيون من الأمر ان التكرار والتعضيد والمكافأة تُرسخ المنعكس الشرطي، وكذلك ان بعض السلوك هو غير شرطي، وتوسعوا في مفاهيمهم عن سلوك البشر، في حين رأى دعاة المادية ومذاهبها، ان تجارب بافلوف تؤكد ما قال به كارل ماركس عن أولوية المادة الجرس والأكل على الوعي سلوك الكلاب، وانسجم ذلك مع أثر فيزياء نيوتن في الفكر المادي.