على رغم الاهتمام الكبير الذي توليه الدول العربية لكتابة تاريخها السياسي أو الثقافي المدوّن، إلا أن الثقافة الشفهية التي تمتد عميقاً في حياتنا اليومية، لم يجر الاهتمام الكافي بها، نظراً لصعوبة البحث في هذه الجوانب من جهة، ولتسارع المتغيرات التي شملت البنى الاجتماعية المختلفة. فمن جهة نهضت الحكومات والنخب الثقافية بعبء التحديث بعيد استعمار اجنبي ولغوي دام قروناً تلاشت خلالها ثقافة عالمة، وعاد المجتمع الى ثقافة شفوية عبرت عن واقعه المعيش. ومن جهة ثانية، فإن زمن الانفتاح والعولمة لم يعط هذه المساعي برهة من الزمن للتوقف لحظة للاحتفاظ بذاكرته الثقافية. فمن متغير لآخر، ومن تطور لآخر بتنا نخاف فقدان هذه الذاكرة التي منحتنا خصوصيتنا، من حرف فنية وغير فنية اندثرت، وقصص وأشعار وألعاب وحكايات عن ليل الأمة الطويل وغير ذلك. وبات علينا في هذه الفسحة الزمنية القصيرة ان نتدارك كل هذه الأمور، تبعاً لغنى المادة التي يمكن أن تقدّمها هذه الثقافة المتوارثة على مختلف الصعد المنشودة. هكذا دعت دائرة الثقافة والاعلام مجموعة من الباحثين في هذا الشأن للتحاور حول هذه الاشكالية والسبل الكفيلة وضع الأسس المنهجية والعلمية لجمعها وإحيائها كتراث غني حافل بالشعر والحكايات والعادات والتقاليد. وتوزعت الحلقة، برئاسة الدكتور حسن مدن رئيس قسم الدراسات والبحوث في الدائرة الثقافية، على جلستين: صباحية ومسائية، تحدّث فيها كل من الباحثين: عبدالعزيز مسلّم، عبدالله علي طابور، د. فالح حنظل، وأحمد راشد ثاني، بلال البدور، عبدالله عبدالرحمن، محمد المطوّع وعياش يحياوي. وتحدّث كل واحد منهم عن تجربته الشخصية في جمع أو تناول المادة الشفوية، والصعوبات التي واجهته، بعد موت الرواة أو في تضارب الروايات عن القضية الواحدة المراد تناولها. وعلى رغم ذلك فإن جهود الباحثين أثمرت كتباً وأبحاثاً لها أهميتها، نظراً الى أنها باتت مرجعاً ومرتكزاً للباحثين. وأقر الجميع ان الجهود الفردية هي جهود محمودة، ولكنها لن تقدم إلا القليل. هذا اذا ما استثنينا الأخطاء التي وقعت فيها، والحماسة العاطفية التي أسست لها، بدلاً من أن تتوخى المنهجية العلمية، واتباع أساليب القدماء والمعاصرين من التحقق من الرواية قبل طبعها ونشرها، لكي لا تتضارب الآراء والحوادث والتواريخ كما حصل مع البعض. ودعت الحلقة الجهات المسؤولة الى وضع خطة متكاملة لجمع المادة أولاً، ومن ثمّ جعلها في متناول الباحثين، لكي لا يبدأ تاريخ الدولة والمنطقة بزمن العولمة وينتهي به.