مع بقاء اسبوعين فقط قبل انتخابات رئيس الحكومة في اسرائيل وبعد ان بات فوز ارييل شارون زعيم حزب ليكود اليميني في حكم المؤكد، أفاقت طبقة "النخبة" في اسرائيل والمعروفة تاريخيا بارتباطها بحزب العمل الاشكنازي في تركيبته من غفوتها وقررت شن هجوم كاسح على سجل شارون البعيد والقريب الذي يقود حزبا يتحدر السواد الاعظم من اتباعه ومؤيديه من أصول يهودية شرقية سفارديم. وتولت وسائل الاعلام الاسرائيلية المكتوبة التي تعتبر جزءا من هذه النخبة مهمة التصدي لجوهر برنامج شارون الانتخابي الذي يستند في الاساس على عدم الكشف عن برنامجه السياسي بحجة ان الفلسطينيين "سيعتبرون ذلك البرنامج نقطة انطلاق للمفاوضات" مع تبني شعار انه سيجلب الامن والسلام لاسرائيل. في بداية السباق الانتخابي، انشغلت الصحافة بتشريح السياسة الفاشلة لرئيس الوزراء المستقيل ايهود باراك التي ولدت خيبة أمل كبيرة بين الاسرائيليين الذين تؤكد استطلاعات الرأي العام انهم يميلون اكثر من اي وقت مضى الى اليمين والتطرف السياسي وأثبتوا عدم قدرتهم على تنفيذ استحقاقات تسوية مع الفلسطينيين. ولكن للنخبة الحاكمة في المؤسسة الاسرائيلية أولوياتها ايضا. فصورة شارون في المسرح الدولي ستصبح بعد ثلاثة عشر يوما صورة اسرائىل في العالم. وتقاسمت الصحيفتان الاوسع انتشارا في اسرائيل "يديعوت احرنوت" و "هآرتس" الادوار، فقلبت الاولى الصفحات قليلا الى الوراء وكشفت عن فحوى مقابلة صحافية اجرتها مجلة "نيو يوركر" الاسبوعية الاميركية مع شارون في تشرين الثاني نوفمبر الماضي لتشدد ليس فقط على ان شارون ليس بمقدوره التوصل الى سلام مع الفلسطينيين، ولكن ايضا على انه لا يريد هذا السلام اصلا. وفي المقابلة التي اجرتها "نيو يوركر" قبل نحو شهرين مع شارون ونشرت امس يصف الزعيم اليميني الاسرائيلي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بانه "سفاح وقاتل وكذاب. انه عدو، عدونا اللدود" ويلمح الى ان اسرائيل حاولت مرات عدة في الماضي تصفيته ويوضح ان "كل حكومات اسرائيل حاولت التخلص منه ولم تنجح ابدا". واما عن سبل حل النزاع والتوصل الى سلام والتي اقام دعايته الانتخابية على اساسها فقال شارون انه "لا يمكن التوصل الى سلام.. ان الامر الوحيد الذي يمكن لاسرائيل ان تصبو اليه هو اتفاق اللاحرب -بكلمات اخرى- وقف اطلاق النار". واضاف ان "ليس ثمة فائدة ان تقدم اسرائيل تنازلات في المفاوضات. لن تتحسن صورة اسرائيل حتى لو قدمت كل التنازلات في العالم". وفي شأن مطالبة الفلسطينيين بالسيادة على الحرم القدسي الشريف، قال شارون: "حين يصلي اليهود يتجهون نحو الحرم وحين يصلي العربي يتجه نحو مكة، ويدير ظهره الى المساجد في جبل الهيكل، لا بل يدير اجزاء سفلى من ظهره". وعندما سئل شارون عن "الحل لمشكلة الارهاب الفلسطيني"، كان رده بالتذكير بما ارتكب هو نفسه بحق الفلسطينيين من جرائم وحشية في سنوات السبعينات في قطاع غزة. وقال: يجب ان نفكر دائما باساليب جديدة. ذات مرة القينا القبض على سفينة صيد لبنانية. وضعنا فيها جنودا اسرائيليين يتحدثون العربية ويرتدون الزي اللبناني. نزلوا الى شاطئ غزة وقام الفلسطينيون باخفائهم، لان الجنود قالوا لهم انهم مطلوبون واصطحبهم الفلسطينيون الى مجموعة ارهابية مهمة في المنطقة الشمالية من غزة. وحين التقت المجموعتان قام جنودنا بقتلهم وبعد ذلك خرجوا من قطاع غزة" وتابع :"من المهم ان نفكر بصورة خلاقة". لقد حظر شارون على الصحافيين طرح الاسئلة التي وجهتها اليه مجلة "نيويوركر" في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، والتي كشف عبر الاجابة عنها بعضا مما عنده، في دعايته الانتخابية متحججا بالمبرر الذي ذكر اعلاه. وتجاوب معظم الصحافيين الاسرائيليين مع "مؤامرة الصمت" التي فرضها مدراء برنامج شارون الانتخابي لكي لا يتم فتح ملفات الماضي العسكري والسياسي للزعيم المحتمل للدولة. الا ان هذه الفكرة بالذات، حملت الكاتب الصحفي المعروف عوزي بنزيمان على مطالبة وسائل الاعلام الاسرائيلية ب"طرح الاسئلة الصعبة" حول ماضي شارون "حتى يقف وجها لوجه امام ماضيه واخفاقاته ويعرف الجمهور هذه الجوانب ايضا". وأخذ الكاتب على عاتقه طرح هذه الاسئلة عبر صفحات "هآرتس" في مقالات عدة كان اولها الاحد الماضي ولحقها امس بعشرة اسئلة اخرى من بينها على سبيل المثال لا الحصر: "التجربة تفيد ان عمليات عسكرية كثيرة كنت انت مسؤولا عنها تلقت احجاما او ابعادا غير متوقعة وفاجأت المسؤولين عنك. هذا ما حدث في قبية وقلقيلية وغزة والبريج وطبريا والمطلة وعلى الحدود الشمالية في الستينات اسماء القرى والمدن التي ارتكب فيها جنود شارون مجازر واعمال قتل وطرد للفلسطينيين والذروة كانت في حرب لبنان. فما هي الضمانة بان لا يتكرر هذا النمط السلوكي نفسه حيث لا توجد رقابة على اعمالك؟" وتركز الاسئلة في مجملها على الكذب الذي كان اسلوب عمل في تاريخ شارون وأخرى على افكاره السياسية مثل اعتباره الاردن دولة الفلسطينيين، وكذلك اسئلة تشكك في نزاهته كرئيس حكومة محتمل، خصوصا في ما يتعلق بامتلاكه مزرعة مساحتها اربعة الاف دونم جنوبغزة والقرارات الفاشلة التي اتخذها خلال ادارته لهذه المزرعة. ويبدو ان النخبة الاشكنازية في اسرائيل تناست ان شارون نفسه يتحدر من اصول اشكنازية وان ماضيه الاسود يعكس ماضي الدولة العبرية نفسها كما تناست ان استطلاعات الرأي العام الاسرائيلي الذي يعرف من هو شارون لا زالت تؤكد ان نصف الاسرائيليين يريدونه رئيسا لحكومتهم المقبلة.