في استجواب عدد من رجال الأعمال الناجحين، عن رأيهم في أسباب زيادة التوتر والاجهاد، نشرته إحدى المجلات الطبية الفرنسية، وضع المستفتون اللوم على "ضغط العمل"، وحملوا "غرف المكاتب" التي يحتجزون في داخلها ساعات طويلة متواصلة الوزر كلّه. ومع تسارع وتيرة العصر، يصبح العاملون في "المكاتب" في مجالات العمل وأنواعه المختلفة، في سباق مع عقارب الساعة لإنجاز الأعمال المطلوبة. وتنطبق حالات الإنهاك الجسماني المستمر على حال الإنهاك النفساني والذهني والفكري. ففي هذه الحال، يرتفع مستوى هورمونات الإجهاد في الدم، ويتضاعف مستوى الكوليسترول، وينخفض الوقت الطبيعي اللازم لتخثر الدم. ولاحظت الدراسة أنّ معظم الموظفين والموظفات الإداريين، والكتبة والصحافيين، ذوي المناصب العالية، المنهكين من ضغط العمل المزدحم المتواصل، يتعرضون أكثر من غيرهم لجلطة قلبية أو تقرح معوي أو الى انهيار عصبي. ولا يتفق الأطباء المعالجون لحالات عصبية على تعريف واحد لأمراض ما يسميه عدد من أطباء النفس ب"أمراض الغرف الموصدة" أو بكلام آخر "غرف المكاتب". فالأمر يختلف بين الأشخاص تبعاً لاختلاف مناخات العمل. لكن المرض الذي تم تشخيصه وإثباته حتى الآن هو مرض "الضغط المتكرر" وهو إصابة مرضية مرتبطة بالعمل على أجهزة الكومبيوتر. وهذا المرض يصيب في العادة من يعمل ساعات طويلة على مفاتيح جهاز الكومبيوتر. وتبدأ أعراض هذه الإصابة بفقدان الإّحساس بأطراف الأصابع، والشعور بتنمّل وخدر فيها. ثم تتطور الأعراض الى الشعور بآلام في مفاصل اليدين ثم الكتفين والعنق. وفي بعض الحالات المعروفة يؤدي هذا المرض الى العجز الكامل وفقدان الوظائف. وحتى أمس قريب كان الأطباء يصنفون هذه الأعراض في خانة الحالات النفسانية التي تنتاب عادة من يعمل ساعات طويلة، إلا أن الأبحاث التي أجريت في أوكسفورد أظهرت أن تلك الأعراض ليست نفسانية إنما عضوية. وليس هناك، حتى الآن على الأقل، أي علاج لهذا المرض الغريب، سوى الوقاية. والعلاج الوقائي الذي ينصح به كل مصاب بأعراض مرض "الضغط المتكرر" يتضمن الوصايا السبع الآتية: 1 - تقطيع مدد العمل أمام جهاز الكومبيوتر أو أي جهاز الكتروني آخر. 2 - الاستراحة بين الحين والآخر. 3 - التوقف عن الضرب على مفاتيح جهاز الكومبيوتر ثوانيَ كل عشر دقائق. 4 - النظر بين الحين والآخر بعيداً من شاشة الجهاز المضيئة، والتحديق من نافذة المكتب في أي منظر آخر وإشباع العين بالنور الطبيعي. 5 - تحريك الكتفين والرقبة للاسترخاء. 6 - الوقوف والمشي في أرجاء المكتب كل نصف ساعة لكسر حدة الروتين النفساني. 7 - برمجة العمل اليومي فلا يقتصر الأمر على البقاء ساعات طويلة أمام الأجهزة الالكترونية الحساسة. وفي بعض الحالات ينبغي استشارة الطبيب المختص والإقبال على التدليك الاسبوعي في الأندية الطبية المتخصصة. كذلك لا بد من مراجعة موقع العمل من حيث ارتفاع طاولة المكتب وزاوية شاشة الجهاز الالكتروني. وربما من المفيد أيضاً زيادة اللياقة البدنية، لأن الجلوس الى طاولة المكتب طول اليوم ليس طبيعياً للجسم، ولا يتطلب الأمر الذهاب الى نواد رياضية، وإنما المواظبة على المشي أو السباحة في صفة منتظمة. وقد تكون "الكآبة" من الأعراض الشائعة والمنتشرة في حياة الموظفين والموظفات. وهناك بعض غرف المكاتب التي تسبب حالات الاكتئاب، كالتي لا تتمتع بضوء شمس طبيعي، وتعتمد على النوافذ المحكمة الإغلاق، والتكييف المركزي الذي يعيد نشر الهواء في الغرفة. ويزداد الأمر سوءاً عندما تكون النوافذ من الزجاج الملون المعتم، الذي يمنع الضوء الطبيعي من النفاذ الى الغرف لتحل مكانه الأضواء الاصطناعية المنبعثة من لمبات "النيون". ومن أعراض الاكتئاب في العمل، الضغط اليومي، الذي يشل القدرة على التركيز، ويؤدي الى الغضب السريع ما يعطل عمل الجهاز العصبي ويصيبه بالخلل. وتدريجاً يؤدي الى فقدان الذاكرة، وعدم القدرة على التمييز بين الأرقام وتعطيل الحس الحسابي في أبسط عمليات الجمع أو الضرب أو الطرح أو القسمة... ويتبع تلك الحالات إرهاق شديد من آلام في الصدر وصداع أشبه بالشُقيقة الميغرين. ومن أجل مكافحة تلك الأعراض المؤذية، واستعادة النشاط والحيوية داخل المكتب، يدور تركيز الأطباء أساساً على العناية بالصحة العامة، وعدم نسيان الغذاء مثلاً في منتصف النهار. والبرنامج الغذائي المثالي الذي ينصح به الأطباء الموظفين والموظفات يتضمن الإكثار من تناول البروتينات في وجبة الغداء، والنشويات في وجبة العشاء، إذ ان النشويات في منتصف النهار تبعث على النعاس وصعوبة التركيز، وفي كل الأحوال لا بدّ من الابتعاد عن الوجبات الثقيلة في هذا الوقت. وربما مصاحبة الغداء ببعض الحركة، مثل المشي، من الأمور المفيدة قبل العودة والجلوس الى طاولة المكتب من جديد. وقد تكون آلام الظهر من الأعراض الشائعة في حياة الموظفين والموظفات، وهي ناجمة عن الجلوس ساعات طويلة في أوضاع غير مريحة وغير متغيرة. والعلاج الوحيد لآلام الظهر هو التمارين الرياضية وكسر حدة الروتين، وإعادة النظر في نوع المقاعد التي يجب أن تراعي سلامة الجلوس الطويل وراء الطاولات أو آلات الكومبيوتر. وقد يكون التدليك من أنجع العلاجات لتليين العضلات والاسترخاء إسترخاء كاملاً، ساعة أو ساعتين في اليوم.