"تبرع" الرئيس صدام حسين بمئة مليون يورو لفقراء اميركا يثير الضحك، مثلما يذكّر بمأساة مئات الآلاف من الاطفال العراقيين الذين هجروا المدارس الى الشوارع ليقتاتوا على اعمال وضيعة، ويهددهم الموت بسبب تلوث المياه. وبعيد عن العقل تصور ان مبادرة صدام رسالة سلام الى الرئيس الاميركي الجديد جورج بوش الابن في بداية عهده، بعدما اعطى الجمهوريون في الولاياتالمتحدة اكثر من اشارة عن رفضهم سياسة "الوخز" التي اكتفت بها ادارة بيل كلينتون، لتورث الابن اقل بكثير مما ورثته عن ابيه... في العراق. وليس اقل "تواضعاً" من مبادرة المئة مليون يورو سوى آخر مبادرات تلك الادارة التي ودعت صدام ب 12 مليون دولار لمعارضيه، كي يتسللوا الى العراق لتوزيع اغذية ! وتفاخر بما تعتبره نجاحاً في احتوائه، بعدما رفعت سقف العقوبات قبل سنوات الى شعار اسقاطه. مَن يودع مَن، يتساءل الرئيس العراقي الذي سيتحدث اليوم عن مآثر "ام المعارك التاريخية الخالدة"، في ذكرى عشر سنين على اندلاع حرب الخليج، فيما يعد الثنائي تشيني - باول رفيقا بوش الأب في منازلة صدام، لتجديد "قفص" العقوبات. والمؤلم ان بغداد لم تجد بعد، رغم كل مآسي الحظر وتجاربه، جواباً عن سؤال وحيد، هو كيف يودع الشعب العراقي ذلك القفص، بل بدأت تعطي الادارة الاميركية الجديدة مبررات لترجيح خيار التشدد، واظهار صدقية منتقدي "تراخي" كلينتون. أليس احياء عدي احلام "العراق الكبير" و"الكويت المحافظة التاسعة عشرة"، من قبيل اجترار الاوهام وتضخيم هواجس الكويتيين ويأسهم من احتمالات انتصار العقل، لتبديد كوابيس الغزو ومرارات العجز امام الشقيق وطيشه، وحقائق الجغرافيا؟!... ومرارات الحاجة الدائمة الى اميركا؟ هل يحتاج عدي الى اختبار من ذلك النوع لاستكشاف نيات بوش وفريق ادارته؟ ان مثل هذا السلوك لا يشذ عن جنوح بغداد الى التخبط الدائم، بين اظهار روح عدائية وطلب العدل في قياس مدى تطبيق قرارات مجلس الامن. ولعل مبادرة نجل الرئيس العراقي الى طلب "اعادة" الكويت الى خريطة بلاده ستعقد مهمة نائب صدام، طه ياسين رمضان في القاهرة، فلا هي نسيت دورها في التحالف الذي خاض الحرب ضد العراق، ولا هو قادر على اقناعها بأن ما نسب الى عدي انما نقل عنه بوصفه مشرفاً على صحيفة او مجرد نائب في بلد "ميزته" تعدد الآراء وحرية الفكر. وبعيداً عن دور دول عربية في مساعدة العراق على تفكيك جدار عزلته، وعن سعيه الى ابداء انفتاح وعدائية في آن، يبقى ان اختياره آخر شباط فبراير موعداً لبدء الحوار الشامل مع الاممالمتحدة، يتيح له فرصة شهر للتعرف الى توجهات ادارة بوش، وهل يغلّب الأخير "مذهب" نائبه تشيني المتشدد، ام "مرونة" وزير خارجيته كولن باول رئيس اركان الجيوش الاميركية خلال الحرب، الذي فاخرت بغداد بايقاعه في حبال الهزيمة! لن يحتاج العهد الجديد في أميركا الى مواجهة عسكرية واسعة مع صدام، لاثبات عزمه على ترميم سقف الحظر وجدرانه، لكنه مضطر الى تجديد ثوبه، لاقناع العالم بنهاية مرحلة التردد وسياسة اللاسياسة التي طبعت تعامل كلينتون مع الملف العراقي في السنتين الأخيرتين، ومكنت بغداد من تسجيل اهداف في مرمى العقوبات... باستثناء الانتصار على وهم الكويت.