في حين شرع الغرب في تلمّس المشكلات الناتجة عن كثرة استخدام الأولاد الكومبيوتر واستدراكها، لا يمكننا نحن الأخذ بالمسبّبات، كما هي مطروحة هناك، لاتّخاذ أي موقف حاسم، إيجابياً كان أم سلبياً، من هذه المسألة التي تبقى، في جوهرها، نسبية. لكي تُطرح هذه المشكلة على بساط البحث، لا بد من دعمها، كأي مشكلة أخرى، بالوقائع والبراهين. وهذه ليست متوافرة في الدول النامية ، ربما لأن المشكلة لم تعتمل بعد في مجتمعاتها، وبالتالي لم تتشكّل معطياتها، أو لحال "التطنيش" التي كثيراً ما تصيب الاختصاصيين لدينا، حيال مختلف المواضيع "الخفيفة" قياساً إلى القضايا السياسية. إلا أن القواسم المشتركة لدى المربّين، في غير بلد ومنطقة، تتمثّل في تأثيرات إفراط الأولاد في استخدام الكومبيوتر في سلوكهم، لجهة التعب والاجهاد في وقت مبكر، وأيضاً "البرودة العاطفية" الناجمة عن العزلة التي يعيشها الولد "المقيم" أمام الشاشة. ويترافق خوف المربّين من هذه الآثار مع ارتيابهم من المحتويات المؤذية التي قد يصادفها الأولاد في ألعابهم الإلكترونية والإنترنت، فضلاً عن الاتصالات غير المستحبّة ، عبر البريد الإلكتروني أو غرف الدردشة وجلسات المناقشة. من هنا ضرورة اطّلاع الأهل على مجريات الأمور، و كذلك حضهم على الانفتاح على التقنية المعلوماتية كي يتسنّى لهم التفاعل الايجابي مع الاجيال الصاعدة . وعرضت شبكة "سي ان ان"، في موقعها على الانترنت ، تقريرا يظهر تحفظ بعض الخبراء حيال المبالغة في الإصرار على تسليح الأولاد الصغار للمستقبل التكنولوجي ، لان ذلك يفضي الى قضاء الاطفال اوقاتا طويلة أمام الشاشات الافتراضية ، في عمر مبكّر. أما الآراء ففي اتجاهين متنافرين. الاتجاه الأول، وتدعمه مؤسسة "كومبيوتر توتس"Computer Tots يضع ثقته المطلقة بالأولاد. فهم "يتعلّمون سريعاً. والأفضل لهم أن يلحقوا باكراً بالركب الجديد. وهم يعرفون ماذا يفعلون". أما الاتجاه المعاكس، الذي تدعمه مؤسسة "ألاينس فور تشايلدهوود" Alliance for Childhood، فيشكك في قدرة الكومبيوتر على حلّ المشكلات التربوية والتعليمية وفي تعجيل النمو الذهني لدى الأولاد. ويذهب إلى حد الدعوة إلى "التعليق الفوري لتقديم الكومبيوترات إلى الطفولة المبكرة وادخاله في المرحلة الإعدادية". وتستند هذه المعارضة إلى آراء الباحثين القائلة إن تمضية وقت طويل أمام الشاشة قد تسبب إجهاداً مبكراً للعين وتؤذيها، وقد تؤدّي إلى برودة عاطفية. ويستعر النقاش، أكثر فأكثر، في شأن المبالغ التي ينبغي للمدارس أن تصرفها على التعليم بواسطة الوسائل التكنولوجية المتطوّرة، علماً أن في بعضها يستخدم التلامذة الكومبيوترات منذ صفوف الحضانة. وفي الصف الرابع يصبح على مكتب كل تلميذ كومبيوتر محمول. وثمة أطباء نفسيون يرون أن على المربين والأهل وضع إرشادات وتوجيهات عملية. فلا يتجاوز الاستخدام نصف ساعة في اليوم للأطفال، على أن يتزايد هذا المعدّل مع العمر، تماشياً مع متطلبات العصر، ومنح الأولاد حق تعلّم المهارات المطلوبة.