ناقش إيان موريس في كتابه "تعلم ركوب الأفيال" أسلوب التعلم بالحجج، وأنه طريقٌ يقودنا للسعادة من خلال البحث في معنى الإنسانية والوجود في هذا العالم، وذاك ما أكده أرسطو قديماً وبيرتراند راسل حديثاً في كتابه "اكتشاف السعادة". التعلم عن طريق الحجج شكل ماتع من أشكال التدريس الجديدة، يهدف إلى تدريب المتعلمين على تبرير القرارت والأفكار غير المؤكدة أو المحسومة، ودائماً ما يطرح السؤال ب'"ماذا؟" أمام الآراء خصوصاً المتناقضة والمعتقدات التي يؤمن بها الغالبية ويدعون أنها حقيقة، رغم أن حججهم ليست سوى مزاعم لا وجود لها في الواقع! التعلم بالحجج يمنح كذلك الأدوات الفلسفية والمقنعة والقدرة على التعامل مع الأشخاص المتعصبين والمتشبثين بآرائهم الواهية ويقدم أهم أساسيات التفاعل الإنساني. لذلك نجد أن كثيراً من نظم التعليم المتقدمة طوعت التعلّم بالحجج في مجالات التدريس وحلقات النقاش ليشمل فهم الطلاب للعلوم والرياضيات، باستخدام الجدال القائم على الحجج، بطرق مشابهة للعلماء والرياضيين المحترفين، لما له من أثر في تعميق التعلم وإصقال المتعلم وتنمية مهاراته. ومن نفس المنعطف، وبناءً على منظور بياجيه؛ فإن التفاعل مع الأقران داخل الفصل مظهرٌ من مظاهر النمو العقلي وبناء المعرفة الجديدة، فمن خلاله يدخل الطلاب وجهاً لوجه في عملية تحدٍ حول المعتقدات والآراء والأفكار والمحتوى التعليمي الذي يتوافر لديهم، مع فتح مساحات خصبة وجريئة لإعادة النظر فيه، وتصويبه وتعديله وتطويره وربما تغييره. وتأخذ أنماط التفاعل مع وبين الأقران داخل الفصل أشكالا عدة، من بينها النقاش الذي يعد النموذج الأهم في سبيل التعلم بالحجج. الدراسات الحديثة تشير إلى أن التعلم بالحجج يمكّن التلاميذ من بناء الخرائط والأشكال التوضيحية والنماذج الإرشادية في الإجابة عن التساؤلات، واستخدام أكثر من لغة علمية وطريقة في التفكير وصياغة الحجة والدليل. ومع ثورة التطور التكنولوجي، نجد الأبحاث متجهة بقوة لاستخدام الكمبيوتر والإنترنت في عملية التفاعل خلال التعلم بالحجج، خصوصاً في المواد العلمية والرياضية الصعبة، ليبحث كل متعلم بنفسه عن حل المسألة باستخدام الآلة أو بمعنى أدق البرامج والتطبيقات والمواد التعليمية المبرمجة (software)، مما يوفر مكاسب تعليمية أكثر مفاهيمية وتصوراً من التفاعل مع زميل آخر. أما في أحدث الدراسات، فقد اتجهت آراء الخبراء إلى نوع ثلاثي الأبعاد للتعلم بالحجج، ليتكون من نص مبرمج أو فكرة وكمبيوتر ومجموعات متعاونة من التلاميذ، حيث يعرض المحتوى الأكاديمي على شكل قضايا فكرية وعناصر مرتبطة بالواقع حتى في مجال العلوم البحتة، وتسمى هذا البيئة ب TC3، اختصارا ل(Text Composer, Computer, Collabrative). لا شك أن هذه النوع من التعليم له رونقٌ معرفي خاص، وساحرٌ في بناء المعرفة الإنسانية الجديدة ودحض الخاطئة، وتحقيق ماهية الوجود والسعادة، فهلا علمت وزارتنا طلابنا ومعلمينا "ركوب الأفيال"؟!