يرتبط يوم الثلثاء لدى كثر من الناس بالبرنامج الإذاعي الأشهر في اذاعة دمشق "حكم العدالة"، وهو من أقدم البرامج الإذاعية التي حافظت على استمرارها وانتظامها ومستواها، وقد حاز جائزة أفضل برنامج إذاعي درامي. فإذا صادف ومررت بالأسواق الشعبية وغير الشعبية ظهيرة ذاك اليوم، لا بد من أن تحظى بالاستماع الى مقاطع منه. وإذا ركبت سيارة أجرة أو وسيلة نقل عامة أو خاصة في ذلك الوقت، تستطيع حتماً أن تفهم مجمل الحلقة وتتوقع نتائجها. هذا البرنامج التمثيلي الدرامي، المفضل لدى السائقين والباعة والموظفين وربات البيوت، يحكي كل مرة قصة واقعية، مستقاة من ملفات القضاء السوري، ويجسّد الشخصيات فيها ممثلون أكفياء، مع موسيقى بوليسية مرافقة تتناسب ووقع الأحداث وطبيعة العمل، مع اخراج جذاب. فالبرنامج يحفل بإثارة واضحة، تبدأ بموضوع الحدث الذي كثيراً ما يكون قصة اجتماعية، تدور في اطار علاقة زواج وطلاق وخلافات عائلية، وما يستتبعها من خيانة وخلافات مالية وتدخّل أطراف في العلاقة الزوجية، أو مواضع أخفّ وطأة وأقل اثارة ايجارات، تركات، مخدرات، سرقات وكثيراً ما تبدأ القصة أو تنتهي بجريمة. دور المرأة في البرنامج محوري، فهي المحرك للأحداث، وكثيراً ما تكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في الجريمة. وهي تظهر: زوجة خائنة أو أماً سيئة أو ابنة أو أختاً ساقطة أو زوجة تحرض على ارتكاب الجريمة أو حماة تتدخل فتخرب وتهدم أو طالبة سيئة السمعة والتصرف أو امرأة ضعيفة سهلة الإغواء أو امرأة مسلوبة الإرادة وسلبية أو زوجة جشعة تبتز زوجها أو امرأة عاملة مستهترة. وهكذا فالبرنامج يؤكد مقولة ان وراء كل جريمة امرأة. ولا شك في أن هذه الصور الآنفة الذكر للمرأة موجودة ولم تأتِ من فراغ، ولكن أن يتم التركيز والإلحاح عليها، في برنامج درامي جذاب ذي شعبية لا تضاهى لدى الشريحة الأكثر بساطة والأقل تعلماً وبالتالي الأكثر تأثّراً، يسيء في صورة غير مباشرة الى المرأة العربية عموماً والسورية خصوصاً، فهو كثيراً ما يربط بين عمل المرأة وخروجها من المنزل وطلاقها، أو بين تعليم الفتاة وانحرافها. وحتى الأم التي تعوّدنا انها منبع الفضيلة، نجدها في "حكم العدالة" تظهر دائماً امرأة قليلة العقل، تحرّض ابنتها على زواج غير متكافىء أساسه المنفعة المادية، أو على هجر زوجها والإساءة اليه فتقفز الى الأذهان رباعية المرأة والجنس والمال والجريمة، وتتكرر الصور القاتمة والمسيئة التي نحاول جاهدين التخلص منها. فما بالك برجل أمّي يستمع الى حلقة درامية إذاعية تتحدث عن انحراف طالبات الجامعة، وما يمكن أن يحدث داخل بيوت الطلبة "مبهّراً أو مملّحاً"؟ كيف يمكنه أن يقتنع أن تلتحق ابنته أو أخته بالجامعة، من دون أن تسيطر عليه تلك الصورة المشوّهة والسيئة للطالبة الجامعية. وإذا قيّض لك ان تستمع الى تعليقات مستمعي البرنامج في الأماكن العامة، يتأكد لك ان الناس يقتنعون بكل ما تحفل به حلقات البرنامج، وهذا يؤكد مدى الضرر الذي تحدثه أفكار كهذه تصل الى الأذهان من دون حواجز وبأسلوب مقنع جذاب. فالمستمعون كثيراً ما يردون باقتناع وهم يهزون رؤوسهم ايجاباً "إي والله"، "مضبوط"، "يا لطيف على النسوان"، "عمره الرجل ما يأمن لمرا" للمرأة. فهل نحن أمام برنامج اجتماعي درامي بريء أم ان هناك أقلاماً مغرضة تسيء من دون أن ندري، الى بيوتنا وأسرنا؟