السيارة الجديدة الطراز الخضراء القاتمة التي تسير وحيدة على الطرق بين قرى منطقة جزين، رافعة صور النائب القومي السوري أسعد حردان، يستدعي تجولها ووجود رجال فيها، على وجوههم هيئة الغرباء، وحشة وتساؤلات ودلالات تدور على صمت تشعر به في جزين وقرى شرق صيدا، في اليوم الانتخابي الصاخب. انه القضاء الذي أعلن العصيان على اللائحة "المحدلة"، فعوقب بهذا النأي. ويشعر أبناؤه الذين لا يكنون بالأصل مودة للائحة "المقاومة والتنمية" التي يتحالف فيها "حزب الله" مع "حركة أمل"، أن هذا التحالف غير مكترث الى ميولهم ومشاعرهم. وتوج عدم اكتراثه هذا بأن أملى "حزب الله" على الجزينيين مرشحاً مارونياً سماه هو، وتولت "حركة أمل" تسمية المرشح الكاثوليكي. وقبل هذه الخطوة كان هذا التحالف أصلى فاعليات المدينة باتهامات جاهزة أصلاً، لكنها لم تكن لتؤثر لولا الاصرار على تعطيل الإرادة الجزينية بقانون انتخاب يتيح لزعماء اللائحة الاستئثار بالمدينة. وقرى جزين وشرق صيدا لم تعلن رفضها اللائحة بالتصويت ضدها فحسب، وانما أيضاً بإطفاء شعلة الفرح والصخب التي تعم مناطق المنتصرين المؤكدين. وخرج الناس في هذه القرى أمس الأحد ببطء وتكاسل الى الكنائس، ومنها ببطء مضاعف الى صناديق الاقتراع. وعدد الذين حصلوا على البطاقات الانتخابية في جزين وقراها يبلغ أقل من 20 ألفاً، من أصل نحو 50 ألف ناخب، يرجح خبراء الانتخابات في المنطقة ألا يتجاوز عدد المقترعين منهم خمسة عشر ألفاً. وهذا الأمر سيبدو واضحاً إذا عبرت تلك القرى التي لن تجد فيها سوى نساء قليلات يقفن أمام متاجرهن الصغيرة، واللواتي يشحن بوجوههن عن السيارات القليلة العابرة، كأنهن غير مرتاحات الى ان تخرق انكفاء البلدات، اجتياحات الوافدين لمراقبة الانتخابات والحض عليها. هذه المشاعر قد يتبدد بعضها أو يتغير عند نزولك الى أقلام الاقتراع التي تكتشف فيها أن لأبناء جزين وقراها قضية في هذه الانتخابات، وأنهم، بهدوء لا يتناسب مع حجم ما ستصيبهم به النتائج، يحاولون إيصال امتعاضهم من تلك الآلة العملاقة التي تملي عليهم ممثليهم، فيدخلون أقلام الاقتراع أفراداً قلائل، ويستقبلهم على أبوابها ممثلو اللوائح، وبينهم معتمرو القبعات الصفر التي اختارها "حزب الله" لمندوبيه، فيبتسم الناخبون الجزينيون لهم ابتسامات بكماء ويدخلون الصناديق نظيفين وهكذا يخرجون منها. المرشحون الشيعة المتداولة أسماؤهم في جزين هم حبيب صادق وكامل الأسعد وسعدالله مزرعاني، وجميعهم من خارج "اللائحة الهائلة" التي سبقت تشكلها احتقانات التحرير بين "أمل" و"حزب الله" وأدت الى قتلى وجرحى من مناصريهما. وحاول الأمين العام ل"حزب الله" حسن نصرالله ضبط ما قد تحدثه من تشطيب متبادل بأن ضمّن فتوى التكليف الديني بالاقتراع لها، بنوداً تؤكد أن التحالف سياسي واستراتيجي لا مرحلي وانتخابي. ومن المرجح ألا يؤدي الاقتراع الجزيني المغاير الى احداث اختراق في لائحة الأقوياء المنتصرين في "التحرير" وفي التحالف مع سورية. لذا ظهر الاقتراع يائساً وحزيناً، ولم يؤد رجحان كفة المعارضة في جزين الى احتفال بهذا الرجحان على غرار احتفالات الراجحين في المناطق الأخرى، فوظيفته هنا ايصال رسالة صغيرة. في منزل جان عزيز، زعيم جزين الراحل، كان الرجال الآتون الى مجلس ابن شقيقته السفير السابق سيمون كرم، يؤجلون أمنياتهم الى الدورات الانتخابية المقبلة التي يأملون أن تحصل في ظل دوائر انتخابية مصغرة. الرجال الجزينيون المتغضنو الملامح، العابرون من أمام منزل أحد المسؤولين الحزبيين المنخرطين في اللائحة التي تعاديها جزين، يزيدون من سرعتهم أثناء عبورهم، ما إن يصبحوا في مواجهة المنزل. أما مندوبو اللوائح التي شكلها نائب جزين الحالي نديم سالم، وقد استبعد من اللائحة "الهائلة"، فيتصرفون كأن في أيديهم أوراقاً سرية، على من يرغب في حيازتها، أن يُظهرَ حيرة وضعفاً يشبهان حيرتهم وضعفهم.