الشاب المنعزل اجتماعياً يقع تحت ضغوط لا أول لها ولا آخر. وقد تظهر تلك الضغوط في ردود فعل فيزيولوجية مثل الاصابة بالصداع النصفي، والشعور بالضعف، أو ردود فعل سلوكية مثل التقليل من قيمة الذات وما يرتبط بها من تحقير لها والشك فيها. وعن الخصائص النفسية المرتبطة بالعزلة الاجتماعية بين الشباب الجامعي، أعد استاذ الصحة النفسية في جامعة الزقازيق في مصر عادل عبدالله محمد دراسة صدرت عن "دار الرشاد" حاول فيها أن يرسم صورة تساعد على فهم الشخصية المنعزلة اجتماعياً، وذلك من خلال دراسة بعض المتغيرات النفسية التي ترتبط بتلك الشخصية. وترجع أهمية الدراسة إلى أنها تقدم قياساً للعزلة الاجتماعية، يمكن من خلاله الكشف المبكر عن مثل هذه الشخصيات، بشكل يساعد على تقديم العون اللازم، إضافة إلى تعريف الاكتئاب، والثقة في النفس. تكونت عينة الدراسة من 137 طالباً وطالبة من جامعة الزقازيق تتفاوت اعمارهم بين 18 و21 سنة، منهم 66 طالباً من الجنسين يعانون درجة مرتفعة من العزلة و71 طالباً يعانون العزلة بدرجة منخفضة، وجميع أفراد العينة ينتمي الى مستوى اقتصادي واجتماعي متوسط. وحدد محمد مظاهر العزلة بالاكتئاب، والقلق العصبي، وانعدام الثقة في النفس. ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن الطلاب مرتفعي العزلة أكثر اكتئاباً من الطلاب منخفضي العزلة، ويرجع ذلك إلى أن العزلة الاجتماعية الناتجة عن انسحاب الفرد بعيداً من الآخرين، وتماشي الاختلاط بهم، تنم عن ضعف في المهارات الاجتماعية، وهو ما يسهم في فرض ضغوط عصبية تزيد من الشعور بالاكتئاب. وتؤكد نتائج الدراسات السابقة أنه كلما زادت عزلة الفرد قلت مقدرته على الاندماج مع الآخرين ويغلب عليه الانشغال والقلق وفقدان الشهية والحزن والتشاؤم، والشعور بالفشل، وعدم الرضا عن الحياة والذات. ودائماً ما يلوم الشخص المنعزل نفسه على السلبية التي يعيشها، وعدم قدرته على اتخاذ قرارات إيجابية. أوضحت الدراسة أن أعراض القلق العصبي تظهر لدى الطلاب مرتفعي العزلة بدرجة أكبر من أقرانهم منخفضي العزلة، ويرجع ذلك إلى أن المستوى المرتفع من التجنب الاجتماعي والخوف من الالتحام بالواقع يؤدي الى درجة مرتفعة من القلق العصبي مما يجعل الفرد غير قادر على أن يصل إلى إجابة مقنعة على سؤال "من أنا؟". وفي ما يتعلق في الثقة في النفس أشارت الدراسة إلى أن مرتفعي العزلة أقل ثقة بأنفسهم من منخفضي العزلة، ويمكن تفسير ذلك بأن الفرد حين يفشل في تكوين علاقات وطيدة مع الآخرين يميل إلى الوحدة والعزلة، وينسحب من الجماعة وتنمو لديه مشاعر الخجل والتهيب، وتتكون لديه صورة سلبية عن نفسه تجعله يعتقد أن الآخرين ينظرون اليه نظرة سلبية، فيخشى من المبادرة والاتصال بالآخرين، وهذا يقلل من إحساسه بقيمته ما يفقده الثقة في النفس. ومن ناحية أخرى، فإن عدم مقدرة أولئك الأفراد على تحديد هوية معينة لأنفسهم وتحديد معنى لحياتهم يفقدهم ثقتهم في أنفسهم. وتدل نتائج الدراسة على أنه لا توجد فروق بين الجنسين من مرتفعي ومنخفضي الشعور بالعزلة في الاكتئاب، والقلق العصبي، وانعدام الثقة في النفس، والحالة النفسية العامة، ويرجع ذلك إلى أن عينة البحث التي تم اختيارها تعيش في مجتمع واحد بثقافته وعاداته وتقاليده، وتتعرض للظروف نفسها تقريباً. ثم أن حاجاتهم الاجتماعية تكاد لا تختلف في هذه المرحلة العمرية. وعلى رغم اقتناع الكثيرين من المشتغلين بالطب النفسي والصحة النفسية بمضار الشعور بالوحدة أو العزلة الاجتماعية والعواقب المرضية التي قد تترتب عليها والتي يمكن اعتبارها نقطة البداية لكثير من المشكلات فإن عدد الدراسات والأبحاث التي تتناول تلك المشكلة لا يزال منخفضاً ولا يتناسب مع أهمية المشكلة.