إن سوء ادارة اقتصاد باكستان أمر يدعو الى القلق، ليس للباكستانيين وحدهم بل للجهات الدائنة أيضاً. ولا شك في أن النقاش في ضعف الاداء يدور على كل المستويات، من أعلاها في المؤسسات المالية الدولية الى أرضية المصانع. ونسمع في كل مكان تعابير القلق من أن محاولات الفريق المالي الذي شكله الجنرال مشرف باءت بفشل ذريع، وأن وضع اسلام آباد سيشابه تلك الاقتصادات العاجزة عن ايفاء القروض في أميركا اللاتينية. المرجح ان المؤسسات المالية الدولية ستمانع في انقاذ ادارة سيئة كهذه. لكنها قد تضطر الى تقديم المساعدة الكافية لمنع انهيار كامل، أي ادخال المريض خيمة الأوكسجين وليس معالجته لشفائه. "الاوكسجين" في هذه الحال قد يأتي في شكل دين احتياطي. ولا يرتبط هذا بجهود الفريق الذي يقود اقتصاد باكستان الى الدمار بقدر ما يرتبط بالقواعد الداخلية التي يتبعها صندوق النقد الدولي منذ الأزمة الاقتصادية في دول أميركا اللاتينية أوائل التسعينات. وتقضي تعليمات الصندوق بأن يعلم أي بلد يوشك على التوقف عن دفع القروض مديري تلك القروض فوراً. هذه القواعد التي نتجت عن أزمة أميركا اللاتينية يمكن أن تطبق في حال باكستان تحت سلطة الجنرال مشرف، بعدما وصل الاقتصاد الى شفير الافلاس والتوقف عن دفع القروض. واذا انطلقت صفارة الانذار فعلاً فأن أول ما يقوم به المسؤولون في صندوق النقد الدولي تدقيق الحسابات الخارجية للبلد، ليحددوا هل هو فعلاً على وشك اعلان العجز أم لا. ويقود تحليل للوضع الحالي الى أن الصندوق سيعتبر ان باكستان تقف على الحافة مع وصول احتياطها النقدي الى 600 مليون دولار. وفي هذا الوضع يمكنه أن يطلب من نظام مشرّف إعداد خطة لتقوية الاداء الاقتصادي. ولكن لا بد من الشك في تمكن النظم من طرح برنامج لانعاش الاقتصاد، اذا اخذنا في الاعتبار سوء ادائه في هذا المجال في الشهور الأخيرة وهوسه بملاحقة المعارضة. لذلك فإن الخطر أن تضطر باكستان الى التوقف عن سداد الديون قبل ان يتمكن صندوق النقد من وضع برنامجه للانقاذ. في هذه الحال قد يختار الصندوق، تبعاً للقواعد التي صيغت إثر أزمة أميركا الجنوبية، منح باكستان قرضاً احتياطياً مدته سنة. وسيكون من بين العناصر الدافعة الى هذا الخيار الانعكاسات الممكنة لانهيار اقتصاد اسلام آباد على الاقتصادات الأخرى في جنوب آسيا. الاحتمال الآن، مع استمرار الفشل في ادارة الاقتصاد على يد فريق الجنرال مشرف، هو انهيار سعر العملة الوطنية لتصل الى 75 روبية للدولار. وكان سعرها قبل أربع سنوات فقط، تحت القيادة الحكيمة لحزب الشعب الباكستاني، وصل الى 30 روبية للدولار. ولهذا الانهيار أن يضر باقتصادي الهند وبنغلادش من خلال تأثيره في أسعار تحويل العملة، وبالتالي في موازين التجارة، على الصعيد الاقليمي. من الواضح أن الاقتصاديين يدركون خطورة الوضع، وهو ما قد يدفع بصندوق النقد الدولي الى توجيه رسالة الى الجنرال مشرف توضح له كل المستتبعات. ذلك ان الانطباع السائد هو أن أعضاء فريقه المالي يهتمون بادامة مواقعهم في الحكومة أكثر مما يهتمون بمصارحة الحكام العسكريين عن الوضع، وهو بكل بساطة أن الموازنة التي اعلنها النظام فشلت، والاقتصاد ينكمش، فيما لا يملك النظام خطة لانعاشه، بل يعتمد كلياً على مساعدة من المؤسسات المالية الدولية. لكن المساعدة المرجوة لن تكفي للانعاش، بل سيقتصر هدفها على ادامة الرمق. أما الانعاش الحقيقي فيحتاج الى رزمة اقتصادية تستعيد ثقة الاستثمارات. وبمقدور حكومة في اقتصاد مفلس أن تتمتع بما يكفي من صفات القيادة والبرامج الصحيحة والخبرة لاشاعة الثقة لدى المستثمرين الخارجيين والمحليين - وهو ما برهنت عليه حكومة حزب الشعب الباكستاني الأخيرة، التي تسلمت السلطة وسط انهيار اقتصادي، ونجحت سياساتها في ملء الخزينة العامة وحماية الأعمال، وخفض الديون، وانعاش الاقتصاد. لكن عهود الفساد التي توالت بعد ذلك أفرغت الخزينة العامة. سيطلب صندوق النقد الدولي، عند منح باكستان قرضاً احتياطياً، ضمانة بعدم هدر المال كعادة حكومة مشرف. لذا يتوقع أن يشترط القيام باجراءات اقتصادية اضافية. عندها سيواجه الجنرالات خيار خفض الانفاق العسكري المتضخم، خصوصاً على كبار الضباط، أو وضع المزيد من الأعباء على الشعب الباكستاني. ولما كان مستبعداً ان يختار الجنرالات إغضاب زملائهم، سيكون على المواطن العادي دفع ثمن حماقات النظام. ينعقد الاجتماع المقبل لصندوق النقد في 24 من الشهر الجاري في براغ. ويرى مراقبون ان من الصعب على باكستان الحصول على القرض المطلوب، لأن بين اعضاء الصندوق من يعارض مساعدة نظام لا يريد، أو لا يستطيع، اتخاذ الخطوات اللازمة لانعاش الاقتصاد. وبالفعل فالواضح أن سياسة نظام مشرف تقوم على اعتبارين دون غيرهما: الاستحواذ على المال من المواطنين، وفي حال الفشل استجداء صندوق النقد الدولي. نتيجة هذه السياسة القصيرة النظر كانت توجيه ضربة اضافية الى الاقتصاد الذي بدأ بالانهيار منذ العهد السابق. ذلك ان الكثير من الباكستانيين الذين استنكروا محاولة النظام الاستيلاء على اموال مكسوبة بطرق شرعية لجأوا الى الخارج. ويقدر ان كندا وحدها تلقت اربعة بلايين دولار من باكستان، لأنها تسمح بالاقامة لكل من يودع مبلغاً معيناً في مصارفها. وليس امام النظام في هذه الحال سوى استجداء المزيد من القروض، لكي تتفاقم ديون الحالية للبلاد والباهضة أصلاً. يجري حاليا في باكستان بيع المرافق العامة بأسعار بالغة الانخفاض تعكس حاجة النظام اليائسة الى المال، وهو ما يزيد من تراجع ثقة المستثمرين. مثلاً، هناك وحدة لانتاج الغاز السائل قيمتها 400 مليون روبية، فيما تطرح للبيع بسعر 120 مليون روبية. ولا بد لمبيعات كهذه أن تثير تهمة الفساد وتزيد من احراج النظام. فيما غرقت حملة مكافحة الفساد في رمال ازدواجية المعيار. فالقانون قاس ولا يلبي أبسط متطلبات العدالة. لكنه لا يطاول الوزراء والجنرالات المتهمين بالفساد. ومن هنا فهو يبدو فأساً مثلومة في يد نظام ضائع لا يريد سوى التسلط. كما ان قرضاً احتياطياً من صندوق النقد الدولي سلاح ذو حدين. فهو يعطي النظام متنفساً على المدى القصير، لكنه في الوقت نفسه يوجه رسالة الى الأسواق بضعف ثقة المؤسسات المالية الدولية بذلك الرجل الذي تسلم السلطة قبل أقل من سنة واعداً بالكثير. لكن أتاتورك باكستان الذي وعد بنشر مبدأ المساءلة وانعاش الاقتصاد لم يفِ بأي من الاثنين. من بين أسباب فشل مشرف اعتماده على أعوان لهم أهدافهم السياسية الخاصة. انه يعتقد، بسبب اخفاء الحقائق عنه، انه يقود السفينة الى ساحل الأمان، فيما الواقع ان الاضطهاد الموجه الى النظام السابق لغايات سياسية والاعتماد على ايتام سياسيين متعطشين الى السلطة يقود السفينة الى الخطر. بل ان الماء بدأ يدخلها فعلاً. وعندما يكون البحارة الذين يحاولون سدّ الثغرات أشخاص مثل المدعي العام آدم أو الوزير عزيز فان مصير السفينة قد يحاكي قريباً ما حل بالغواصة الروسية المنكوبة، أي ان انقاذها سيكون مستحيلاً، حتى مع توافر العون الخارجي. * رئيسة وزراء باكستان سابقاً. زعيمة حزب الشعب الباكستاني