توقع الخبير النفطي ناشر مجلة "بترو ستراتيجي" النفطية بيار ترزيان انخفاضاً في اسعار النفط، نظراً الى وجود كميات نفطية كبيرة في الاسواق، تحملها في الواقع ناقلات في البحر. ورأى ترزيان في حوار مع "الحياة" ان ما يحدث حالياً من احتجاجات في أوروبا بسبب ارتفاع سعر الوقود هو ردة فعل مبالغ فيها لأن دول "أوبك" تبذل جهوداً حقيقية، وتعايشت على مدى عشرين سنة مع اسعار نفط معتدلة، فيما اغتنم معظم الدول الغربية الفرصة لزيادة الضرائب. وقال إن هذه الضرائب تضاعفت في العشرين سنة الماضية، موضحاً ان الأزمة تطاول أوروبا اكثر مما تطاول اليابانوالولاياتالمتحدة، لأن الأوروبيين يواجهون مشكلة انخفاض سعر اليورو الذي خسر 38 في المئة من قيمته، مما جعل سعر 33 دولاراً لبرميل النفط يعادل 258 فرنكاً فرنسياً، ولو لم ينخفض اليورو لكان هذا السعر يعادل 187 فرنكاً. وانخفاض قيمة العملة الأوروبية ليس من مسؤولية "أوبك". وأضاف ان هذه المشكلة لا تعني اليابانوالولاياتالمتحدة لأن قيمة الين مستقرة بالنسبة الى الدولار، لا بل ارتفع نحو 10 في المئة بالنسبة الى الدولار. وساق سبباً آخر لمشكلة أوروبا هو الضرائب المرتفعة في بلدانها، مما دفع المستهلكين الى الاحتجاج. فعائدات الضرائب على المشتقات النفطية في فرنسا مثلاً تجاوزت عائدات النفط السعودي عامي 1998 و1999 "وهذا يغني عن أي تعليق". وأشار ترزيان إلى أن موازنات الدول الأوروبية اصبحت تعتمد اعتماداً كبيراً على العائدات الناجمة عن الضرائب المفروضة على النفط. ورأى ان على الأوروبيين في النهاية ان يعيدوا النظر في سياساتهم الضريبية والنفطية، وايجاد حلول أفضل لاحترام المسائل البيئية وتنفيذ مقررات مؤتمر كيو تو للبيئة. وقال: "حتى الآن اعتبرت الدول الأوروبية ان بوسعها حل المشكلة البيئية وخفض التلوث بغاز الكربون عبر فرض ضرائب مرتفعة، ويتوقع الآن ان تبدأ بالتفكير ملياً في هذه السياسة وان تبحث عن بدائل أفضل لخفض معدلات غاز الكربون في اطار حرصها على البيئة". وسئل الخبير النفطي عن اتجاه اسعار النفط وهل ترتفع أم تنخفض، فأجاب ان "القدرة الانتاجية الزائدة في أوبك محدودة، لكنها كافية لتغطية الزيادة في الطلب على الأقل حتى نهاية العام 2001". وتوقع ظهور قدرات انتاجية جديدة من الآن وصاعداً. وتوقع ايضاً انخفاضاً في الاسعار لأن هناك كميات كبيرة في المياه والاسواق، والدليل إلى وجود كميات تحملها ناقلات، بحسب التقارير الصادرة عن وكلاء الناقلات، وتشير الى ان مستوى تكاليف تحميل النفط التي تباع في الاسواق الفورية زاد بنسبة ثلاثة اضعاف خلال سنة". وأوضح ترزيان ان كلفة تحميل طن من الخام ونقله بين الخليج وروتردام كانت قبل سنة 7 دولارات، وهي الآن 17 دولاراً، مما يعني ان هناك كميات كبيرة في الناقلات، وان عدد هذه غير كافٍ وان النفط سيظهر بعد فترة في مخزون الدول المستهلكة... وهذا ما يدعوه الى القول ان الاسعار ستنخفض، "لكن السؤال هو متى سيتم ذلك وما هو عدد الأسابيع التي ستمر قبل ان تشهد الاسعار انخفاضاً؟ وهذا ما لا يمكن معرفته". لكنه رجح ان تبدأ الاسعار بالانخفاض قبل الشتاء وان يظهر الاتجاه الى ذلك مع بداية الخريف. وعن سبب ارتفاع اسعار النفط في الصيف على رغم وجود كميات كبيرة، وما هو تفسيره لانخفاض المخزون العالمي، قال: "ان الأزمة الحالية ليست أزمة نفط. بدأت كأزمة مشتقات ومنتجات نفطية مكررة وقد شهدت الولاياتالمتحدة أزمتين متتاليتين، أزمة غاز أويل ثم أزمة بنزين. ثم شهدت أوروبا أزمة مردها الى ان القدرات الانتاجية للمشتقات أصبحت محدودة. وكان هناك عرض نفطي فائض عن الطلب في الاسواق، لكن الاسعار بقيت مرتفعة نتيجة النقص في المشتقات". وأورد سبباً آخر لارتفاع الاسعار هو "وجود مضاربات كثيرة، فهناك شركات تجارية كبرى في مجال النفط، راهنت على ارتفاع الاسعار ودافعت عن هذا الرهان، مما ساعد طبعاً على رفعها. لكنه أدى ايضاً الى تأخير انخفاضها المحتمل، لأن المضاربات تلعب دوراً مهماً جداً على صعيد الاسعار". وعن احتمال استخدام الولاياتالمتحدة مخزونها الاستراتيجي، قال ترزيان "ان وجود هذا المخزون يظهر خبث الغربيين، لأنهم لو كانوا يريدون فعلاً خفض الاسعار، لكانوا استخدموا المخزون، لكنهم لا يقدمون على ذلك، بل يشتكون من أوبك ويلومونها على ارتفاع الاسعار". وما هو مستوى سعر النفط الذي يتوقعه؟ أجاب ترزيان: "لأن القدرات الانتاجية الزائدة في دول أوبك محدودة وينبغي رفعها لتلبية الزيادة في الطلب، فليس من مصلحة أحد ان ينخفض سعر النفط انخفاضاً كبيراً، أي ان يصبح أدنى من 20 دولاراً للبرميل، لأن هذا يحد من النشاط الاستثماري لزيادة الطاقة الانتاجية لدى الدول النفطية". وأوضح ان هناك الآن "بداية خجولة تقوم بها شركات النفط العالمية في مجال الاستثمار لتطوير الحقول وزيادة الانتاج، اذ انها تتخوف من تجربة سنة 1998 حيث بلغ سعر برميل النفط أدنى مستوى له في القرن العشرين فوصل الى 8 دولارات للبرميل". وأضاف: "ان الشركات لا تنسى مثل هذه التجربة، وتبني توقعاتها وحساباتها آخذة في الاعتبار احتمال تكرار مثل هذا الانخفاض، على رغم معرفتها بأن السعر سيبقى عند حدود 25 دولاراً للبرميل. مما يعني انه بمجرد ظهور مؤشر الى انخفاض كبير للاسعار، فإنها تتباطأ في استثماراتها في مجال التطوير وتعزيز القدرات الانتاجية. وهذا ما يشكل خطراً على مستقبل العرض النفطي في الاسواق". وتوقع ان يبقى سعر النفط يراوح بين 20 و30 دولاراً للبرميل، "ولكن يتعذر تحديد المدة التي سيكون السعر خلالها بهذا المستوى". واعتبر ان قرار "أوبك" زيادة انتاجها بمعدل 800 ألف برميل في اليوم، "قرار جيد". وقال: "كان ينبغي على أعضاء المنظمة اظهار جهودها للعالم". لكنه أشار الى ان هذا القرار "لن يكون كافياً ان لم تخفض الدول الأوروبية الضرائب على النفط لأن المستهلك في أوروبا لا يرى المكسب من انخفاض سعر النفط الخام ولم يره على مدى سنوات طويلة". وسئل ترزيان هل يعتقد ان الندوة التي ستعقد بين المنتجين والمستهلكين في الرياض في 17 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، كفيلة ببلورة بداية حوار حقيقي بين الجانبين، أجاب انه كان مقتنعاً بذلك قبل اجتماع وزراء المال الأوروبيين في فرساي، الذي انتهى ببيان لا يشير الى نية أوروبية لخفض الضرائب على النفط. وأضاف ان المواقف الأوروبية متباينة حيال هذا الموضوع "فهناك دول تصر على عدم خفض الضرائب، ومنها بريطانيا والمانيا، في حين ان دولاً اخرى مثل ايطالياوفرنسا خفضت القليل من ضرائبها، ان نتيجة الحوار في الرياض ستعتمد على موقف أوروبا. والجديد الآن هو انه اصبح للمستهلك الأوروبي رأي يعبر عنه، وصار يدرك ان الاحتجاج يجب ان ينصب على الضرائب وليس على دول أوبك. وهذا بدا واضحاً في شعارات المحتجين في المدن الأوروبية".