كل قصيدة لا تتعمد المديح جناية، وكل جناية ارتكبتها سمعت من يصفها أنها "حلوة" وكأني لست أعرفها، كأن أحداً لم يقترب منها سواي. وحدي من يعرف مرارتها وكأني لست أعرف شيئاً عن الحلاوة والمذاق، وحدي من يشعر بالمعاناة الكامنة في جسد القصب حين يتمدد ويعتصر، وحدي من يحسّ بالصحوة المجنونة المغطاة بالأجفان: كنا صغاراً نكسر الطرقات ذهاباً وذهاباً، ثم كبرنا انكساراً... انكسرنا كباراً... "لماذا كبرنا؟" سؤال تنهّد به "ساعدة" بعدما تاه رأسه في "تاج من شوك" ولم يجبه أحد سوى الظلام، "لماذا كبرنا؟" سؤال قاله "البطل" بعدما تعب من الانتقام. هل خرجت على الطبيعة؟ لا، ولا حول إلا بالله، سأعود عمّا قليل الى قصيدة "حلوة" ومرارة الجنايات تنهمر على السؤال: هل تخرج صخرة على الأمواج؟ لماذا كبرنا، ولماذا تخرج الصخرة على الأمواج؟ بين الجبال قلت صرختي الأولى، وفي الصحراء ضاع صوتي. لم أجد أحداً بين الجبال غيري ولم يجدني أحد في الصحراء. لماذا كبرنا؟ قالها "ساعدة"1 القاتل ولم يتسلّ بالمقتول كما أفعل... كلانا يبتعد، والنداء يجمعنا: واسعٌ هذا العمر وقصير، ضيّقٌ هذا الطريق وطويل... - أفهم الماء، وأجهل صورتي فيه أحلم بالمجهول، وأعاديه... قلبي يخرج حيّاً مني، كل مساء وأعود أنا... ميْتاً إليه لماذا كبرنا؟ يعرف هذا الجرح جريحٌ وأعرف هذا الجرح... وأشتهيه "ساعدة" خذ وقتك الآن، من عمري ولا تتركه لي... خذ ما ألاقيه وألقى واعطني ما خسرت وما يلي... ليس بيني وبينك أكثر مما بين الخيال والحلم، أنت الواثق من جرحك وأنا المتربص بالهذيان، أنا المتشبث بالطفل الدامع خلف عيني: لا أعرف قبرك يا أمي، حتى أبكي فوق الآجر وأسأل: لماذا كبرنا؟ لم أشهد معركة أبي، حتى أقف على الجسر الممتد، يظلل تلك المقبرة، يظلل ذاك العمر وأسأل: لماذا كبرنا؟ "ساعدة" بين المنحنى والظل أكره ما يشبهني فيك وأعشق ما يشبهك فيّ "ساعدة" لا شيء الآن لديّ سوى كلمات باردةْ سأغني مع الشباب "يوب يوبيه يوبي" وأكره أن أموت مثلّجاً، أكره أن أضيع مدججاً... كم قلتُ ان الصدر والروح الأبية خير سلاح، كم قلت إن الظلمة يقتلها المصباح... لكني الآن شقيت بما أفعل وفُجعت بما أسأل: لماذا كبرنا؟ هكذا انسابت دمعةٌ وارتوى الخد... هكذا انبسطت غلطةٌ والطريق انطوى وامتد... 1 ساعدة: بطل الدراما التلفزيونية العربية "تاج من شوك" المأخوذة عن عمل لشكسبير. * شاعر سعودي. والنص مقدمة لديوان له يصدر قريباً.