ولع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتزلج فوق ثلوج جبلية، معروف للقاصي والداني، لذلك لم يستغرب الصحافيون حين قيل لهم إنه غادر موسكو لتمضية يوم في جبال في جنوبروسيا، وانتظروه هناك بضع ساعات حتى أعلن أنه وصل إلى الشيشان... في طائرة "ميغ" قادها بنفسه! كانت تلك "الخدعة" بين السيناريوات التي يضعها "جهاز الحماية الفيديرالي" ليؤمن سلامة رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب والشيوخ ورؤساء المحاكم العليا والدستورية والتحكيمية، والرؤساء السابقين وعدد من كبار رجال الدولة. وتفيد معلومات أوردتها أسبوعية "ارغونتي اي فاكتي" ان الجهاز يضم عشرة آلاف عنصر، 44 منهم يتحركون مع رئيس الدولة في تنقلاته. وكان جهاز "كي. جي. بي"، تحديداً ما يسمى الشعبة التاسعة فيه، يتولى حماية قادة الاتحاد السوفياتي، لكن مسؤوليه شاركوا في المحاولة الانقلابية ضد الرئيس آنذاك ميخائيل غورباتشوف، وأمروا بقطع الاتصالات عن قصره على البحر الأسود. وتحولت السفن الحربية الراسية قبالة فيلا "فوروس" من قطع للحراسة البحرية إلى مخافر اعتقال. لكن رجال الحماية الشخصية الذين كانوا داخل القصر ظلوا أوفياء للرئيس وشكلوا حوله طوقاً كان "داخل الطوق" المعادي، وكادت تحصل مواجهة لو لم يتراجع قادة الانقلاب في اللحظة الأخيرة. وبعد فشل المحاولة الانقلابية أمر بوريس يلتسن رئيس روسيا الحاكم الفعلي آنذاك بإلغاء "كي. جي. بي" وتقسيمه مؤسسات منفصلة. وبعد انهيار الدولة الموحدة أمر بانشاء جهاز للحماية يكون متصلاً مباشرة برئيس الدولة، وأوكل مهمة الاشراف عليه إلى حارسه الشخصي الكسندر كورجاكوف، الذي حوّل الجهاز من مؤسسة للحماية إلى هيكل سياسي ذي نفوذ واسع، ودخل في صراعات أدت في النهاية إلى سقوطه، وتحوله من "حارس أمين" إلى عدو لدود ليلتسن. لكن كورجاكوف أرسى أسساً جديدة للجهاز، إذ زوده أحدث المعدات وضم إليه فرقة قناصة وكلاباً بوليسية مدربة، قادرة على اكتشاف رصاصة واحدة مخبأة تحت كرسي في قاعة مسرح، إذا شاء رئيس الدولة أن يتفرج على عرض مسرحي. ويحمل كل من عناصر الحماية أسلحة "بحسب الطلب"، ويقال إن من أسباب إلغاء زيارة يلتسن لليابان، ان طوكيو طلبت ان تكون لدى أفراد الحماية قطع سلاح لا يتعدى عددها خمساً لدى كل فرد، مما أثار استياء الجانب الروسي الذي رفض وضع "سقف" للتسلح الشخصي. ويعتبر استخدام السلاح دليلاً على اخفاق جهاز الحماية الذي يفترض أن يحبط أي محاولة للتطاول على رئيس الدولة قبل حدوثها. وأجرت الأجهزة الأمنية تحليلاً ل300 محاولة اغتيال تعرض لها قادة وشخصيات معروفة، واتضح ان 36 في المئة منها نفذت بتفجير عبوات، فيما جاء في المرتبة الثانية استخدام بنادق قناصة لإصابة الضحية على بعد 100-200 متر. أما استخدام المسدس أو كل ما يسمى الأسلحة ذات الماسورة القصيرة، فيعد أمراً استثنائياً. ومنذ اندلاع الحرب الشيشانية الثانية، عززت الحراسة على بوتين وعائلته، ولم تعد ابنتاه ترتادان المدرسة، بل ان معلمين يتولون تدريسهما في المنزل. وغالباً ما يضطر المواطنون إلى الانتظار ساعة لتأمين مرور موكب الرئيس الذي ينطلق بسرعة 140 كيلومتراً في الساعة، عبر طرق خالية. ويعرف سكان البنايات المطلة على شارع "كوتوزوفسكي" ان الأفضل والأسلم لهم ان تبقى نوافذ شققهم مغلقة لدى مرور الموكب.