تجتاح الساحة الشعبية للاجئين في كل مكان موجة عارمة من القلق على مصير حقهم في العودة كما على احتمال التنازلات في مفاوضات كامب ديفيد، التي اعلن عن فشلها الثلثاء الماضي 25/7/2000. وهذا القلق له ما يبرره إذا أخذنا في الاعتبار التجارب السابقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. مما لا شك فيه ان حق العودة قد عاد الى الظهور بقوة، بعد خيبة الأمل في أوسلو، كمطالبة شعبية تمتد عبر مناطق الشتات من المخيم الى كل مدينة عربية أو عاصمة أجنبية، وهذا اشبه بالمد الشعبي الذي كان سائداً في مطلع السبعينات ولكنه يتحقق على يد جيل آخر. وقد خفَّت الآن الى حد كبير الأصوات المنادية "بالواقعية" كغطاء لإسقاط الحقوق، بل سقطت صدقية هؤلاء القلة من "المثقفين" التي استمدت رزقها من "صناعة السلام" ومن الترويج لتلك الواقعية في مقابل أجور مجزية للمقالات والدراسات والأبحاث. وليس هذا بعجيب، لأن حق العودة كان ولا يزال اصل الصراع مع العدو الصهيوني. وهذا الصراع يتلخص في ان هذا العدو يريد الاستحواذ على أرض فلسطين وقد نجح في ذلك الى حد كبير وطرد أهل فلسطين بقوة السلاح وفظاعة المذابح ووسائل القهر والتعذيب، وذلك لتوطين مهاجرين يهود. هذا ما يطلق عليه اليوم اسم "التنظيف العرقي"، الذي يعتبر من جرائم الحرب وتدينه قوانين حقوق الإنسان. إن أي علاج لهذا الصراع أو أي عملية سياسية تسعى الى حله، لا تستند على هذا التعريف، لا يمكن ان تنجح، مهما كانت المسميات والمرغبات. ذلك لأن حق الإنسان في أن يعيش في بيته هو حق أساس يمس الوجدان والكينونة الانسانية، ولهذا فإنه مادة من مواد "الميثاق العالمي لحقوق الإنسان"، قبل ان تصوغه القوانين الدولية وقرارات الأممالمتحدة. وأي انكار لهذا الحق انما يعني دعوة صاحبه الى التخلي عن كينونته، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني، الذي عاش طوال تاريخه في ذلك المكان الذي اخترقته جيوش وحكمه أغراب وعاشت على حواشيه قبائل قامت ثم بادت، وبقي هو في غالبيته الساحقة، مهما كان اسمه ولغته وديانته، ملتصقاً بهذا المكان نفسه. وفي القانون تبقى حرمة الملكية الخاصة مصونة، لا يزيلها احتلال أو اعلان سيادة جديدة، أو اتفاق سياسي من اي نوع، ولا يجوز فيها التنازل أو التمثيل أو النيابة ما دام الأصل موجوداً. القرار الرقم 194 المشهور هو تجسيد للقانون الدولي وليس اختراعاً له. والقرار المذكور هو ثلاثة في واحد: الأول يدعو الى عودة اللاجئين والثاني يدعو الى اعاشتهم الى ان يتم ذلك والثالث يدعو الى انشاء "لجنة التوفيق" كآلية لتسهيل عودتهم. وهذا القرار اجتمعت عليه ارادة المجتمع الدولي بشكل لم يسبق له نظير في تاريخ الأممالمتحدة، وتم تأكيده أكثر من 100 مرة خلال 50 سنة. أمام هذا الحق الساطع، نشطت اسرائيل ومؤيدوها ومن تبعهم من تلاميذ مدرسة الواقعية ينسج شبكة ممتدة من الادعاءات والأساطير والأغاليط لكي تحجب هذا الحق. وللأسف فإن البعض قد ينحرف وراء هذه الخزعبلات، ولا ندري ان كان المفاوضون الفلسطينيون قد احتاطوا لهذا الأمر أم لا، وعلى أي حال نرجو ان يكون لديهم من الخبرة والحصافة ما يكفي للرد على هذه الأقاويل والادعاءات الباطلة. أولاً يقول الاسرائيليون ان القرى دمرت والحدود ضاعت، ويصعب استرجاع الأملاك. هذا غير صحيح اطلاقاً، ويوجد من الخرائط والوثائق ما يكفي لاعادة كل دونم الى اصله. والتقنية الحديثة كفيلة بمقارنة الخرائط البريطانية مع صور الأقمار الاصطناعية لتعيد كل قطعة أرض الى اصلها. وهذه الوثائق كلها موجودة عند "دائرة اسرائيل للأراضي "وعند غيرها وبموجبها تؤجر أراضي الفلسطينيين لليهود. ويقولون إن البلاد ملآنة بالمهاجرين اليهود ولا يوجد مكان لعودة اللاجئين، وهذا كذب صريح. والواقع ان 78 في المئة من اليهود يعيشون في 14 في المئة من مساحة اسرائيل. أنظر الخريطة ويعيش 22 في المئة من اليهود في الباقي، ولكن 19 في المئة منهم يعيشون في مدن فلسطينية أصلاً من عكا وصفد الى بئر السبع وأسدود و3 في المئة كان الكيبوتز الذين يستغلون أرض اللاجئين الى تبلغ 18 مليون دونم. وهؤلاء ثبت فشلهم وتراكمت عليم الديون وهجروا الكيبوتز الى المدن. وبذلك سقطت نظرية "اليهودي المزارع الذي عاد الى أرضه"، بل تأكدت الصفة التقليدية لليهودي الذي يعيش في المدن في مراكز تجمعات يهودية ويشتغل بالمال والتجارة. ولأن سكان الكيبوتز يتمتعون بامتيازات حكومية غير مسبوقة بصفتهم النخبة، ومنهم ضباط الجيش وأعضاء الكنيست، فقد اسقطت الحكومة عنهم الديون، ومنحتهم ثلاثة ارباع المياه في اسرائيل بسعر أقل من التكلفة، وأجرت لهم معظم أراضي اللاجئين بإيجار رمزي، ومع ذلك لم تبلغ مساهمتهم في الناتج المحلي اكثر من 8.1 في المئة. بل وأكثر من ذلك ونتيجة لهذا الفشل، سمحت الحكومة لهم بتحويل بعض تلك الأراضي الزراعية الى أراضي بناء، لكي يتمكن هؤلاء من بناء عمارات سكنية وبيعها، وخصصت لهم 25 في المئة من قيمة الأراضي المباعة التي لا يملكونها، ودخل على خزينة حكومة اسرائيل اكثر من بليون دولار سنوياً من حاصل بيع أراضي اللاجئين. إذاً كيف يمكن ان يقبل احد خرافة أنه لا يوجد متسع في البلاد، بينما يسرح ويمرح في أراضي اللاجئين الذين يتجاوز عددهم 5 ملايين حفنة من اليهود لا يتجاوز عددهم 150ألفاً. وأثبتت الدراسات الديموغرافية انه يمكن عودة كل لاجئي لبنان الى بيوتهم في الجليل، وكل لاجئي غزة الى بيوتهم في اللواء الجنوبي، من دون ان تتأثر الكثافة السكانية لليهود في الوسط بأكثر من 1 - 5 في المئة فقط. ومن مهازل القدر ان المهاجرين الروس الذين استوعبتهم اسرائيل من دون ضجة يساوي عددهم عدد اللاجئين في غزةولبنان مجتمعين. فكيف يمكن ان يقبل الفلسطينيون خرافة ان العودة غير عملية؟ هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، فإن عملية الاحلال والاستبدال هذه ليست الا عملية تنظيف عرقي، يعاقب عليها القانون الدولي، خصوصاً بعد ميثاق روما عام 1998. وتريد اسرائيل ترك الأراضي الفلسطينية فارغة كرصيد استراتيجي لإحضار 10 ملايين يهودي، كما صرح شامير بذلك مراراً في فترة ما بعد أوسلو. التوطين إذاً هو عملية تنظيف عرقي. ومن يدعو الى التوطين، كما تفعل اسرائيل، ومن يقبل به من العرب لأسباب مختلفة، انما يطبقون سياسة التنظيف العرقي. فهل يدركون ذلك؟ وهل يدركون ان استيطان المستوطنين حتى في الضفة أو غزة يعتبر من جرائم الحرب بحسب ميثاق روما، وأنه لو طبق القانون الدولي، لاعتبر هؤلاء المستوطنون مجرمي حرب؟ وهل يدرك من يهمهم الأمر ان خطة التوطين الأخيرة التي وضعتها المحامية اليهودية الأميركية من أصل روسي دونا آرزت في كتابها "من لاجئين الى مستوطنين"، وتعتبرها الدوائر الأميركية خطة عمل مقبولة، ما هي الا خطة تنظيف عرقي. اذ اثبت البحث انها تقترح نقل 690 الف لاجئ من غزة الى الضفة، و140 الف من الأردن الى الضفة، ثم نقل 700 الف آخرين ليصبح مجموع المرحلين 5.1 مليون لاجئ، ويوطن الباقون حيث هم. كيف تنقل هذه الملايين؟ هل هم غنم تساق الى هلاكها صامتة؟ الا يذكرنا ذلك بقصة القطارات النازية التي تحمل اليهود الى هلاكهم؟ والآن يريدون ان يملأوا الطائرات باللاجئين ليوزعوهم على بلاد العالم في أكبر عملية ابادة جغرافية يشهدها التاريخ الحديث. ان من يقترح التوطين أو يوافق عليه، انما يسعى الى سفك دماء بريئة ويفتح مجالاً للصراع والاضطراب في المنطقة لا يعلم مداه الا الله. ويُذكر التعويض احياناً كإغراء لقبول التوطين، أو رشوة للدول التي تؤويهم والجهات الأخرى التي تسهل ذلك، بل وللأفراد الذين فقدوا الأمل في حل عادل. وهذا كله وهم. فالتعويض القانوني حق للاجئ نفسه عن الضرر والخسائر والمعاناة لمدة 50 سنة، ولا يجوز لأحد أن يتلقاه نيابة عنه، والا بقيت مطالبته به قائمة. والتعويض ليس ثمناً للوطن فالوطن لا يباع، بل التعويض مكمل وليس بديلاً للعودة، والأدلة والسوابق القانونية على ذلك ليس لها حصر. أما مطالبات الدول والجهات بالتعويض فلها مجرى قانوني وسياسي آخر، ولكنها قطعاً لن تكون على حساب تعويض اللاجئين أنفسهم. وهناك فرق بين الحق القانوني للأفراد في التعويض الذي لا يسقط، وبين القرارات السياسية التي تحفز اميركا وأوروبا وغيرها لأن تدفع رشوات سياسية للحفاظ على مصالحها في المنطقة. ولا يجوز الخلط بينهما. واذا ما سقطت الحجج الاسرائيلية في أن العودة غير عملية وان التعويض هو الحل، طلعوا علينا بقصة جديدة هي أن الطابع اليهودي لاسرائيل قد يفسد أو "يتلوث" بوجود العنصر العربي صاحب الأرض. ونتساءل ما هو الطابع اليهودي؟ هل هو قانوني، أم اجتماعي، أم ديني، أم ديموغرافي؟ اذا كان قانونياً فإن معظم القوانين اليهودية ومنها قانون العودة اليهودي هي قوانين عنصرية مخالفة للقانون الدولي. هذا معروف منذ زمن. ولكن من غير المعروف على نطاق واسع انه منذ اشهر قليلة اصدرت لجان عدة تابعة للأمم المتحدة تقارير بأن مخالفات اسرائيل للقانون الدولي نابعة من قوانينها المحلية، وأنه لكي تكون اسرائيل دولة مقبولة دولياً، فإن قوانينها المحلية يجب ان تتغير. جاء هذا في التقارير الأخيرة للجنة حقوق الإنسان، ولجنة إزالة التفرقة العنصرية ولجنة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واللجنة المناهضة للتعذيب. وهذا معناه انه لا الأممالمتحدة ولا الدول التي تقبل بميثاقها وبالقانون الدولي تؤيد هذه القوانين الاسرائيلية العنصرية. فكيف يطلب منا نحن الفلسطينيين ان نقبلها، خصوصاً ونحن ضحاياها؟ واذا كان الطابع اليهودي اجتماعياً، فإننا نتساءل اي مجتمع هذا الذي يخافون عليه؟ هل هناك مجتمع متجانس يضم الروس والاحباش، أو العلماني، والمتعصب، أو الاشكنازي والسفاردي المزراحيم؟ هل تعتبر اسرائيل مجتمعاً متجانساً، اذا كان نصفه يستعمل اللغة العبرية اساساً ويتخاطب فيه الناس باثنتين وثلاثين لغة أخرى؟ هذه البروفسورة عتصيوني هاليفي من جامعة بار إيلان التي قضت 30 عاماً في دراسة "الهوية" اليهودية تقول: "نحن لسنا شعباً واحداً، فاللغة مختلفة والمظهر مختلف، وانماط السلوك مختلفة، والهوية مختلفة". كيف يمكن اذاً ان تكون عودة اللاجئين الى أرضهم نشازاً في هذا السوق المختلط؟ وإذا كان الطابع اليهودي دينياً، فمن الذين يمنع اليهود من ممارسة طقوسهم الدينية؟ ألم يجدوا في العالم الاسلامي المكان الوحيد الذي مارسوا فيه حياتهم وعبادتهم بسلام؟ واذا كان ديموغرافياً، بمعنى ان يكون لليهود في اسرائيل دائماً تفوق عددي، فهذا سراب. تقدر نسبة الفلسطينيين في اسرائيل ب26 في المئة من اليهود، وعددهم في تزايد. وفي احسن التوقعات اليهودية، وبفرض استمرار الهجرة اليهودية، فإن عدد اليهود سيكون عشرة ملايين عام 2040- 2050. لكن عدد اليهود في العالم يتناقص بسبب الاندماج والزواج المختلط، وليس لدى اليهود الذين ينعمون بالعيش والنفوذ في أميركا وأوروبا رغبة في الهجرة باستثناء فئة صغيرة من العنصريين والمتعصبين دينياً وخلال المدة نفسها أي بعد 40 سنة سيكون عدد الفلسطينيين في اسرائيل عشرة ملايين ايضاً، فكيف يمكن لليهود ان يكونوا غالبية السكان في هذه الحال؟ وهل سيعمدون الى طرد الفلسطينيين في نكبة اخرى لتتحقق لهم الغالبية العددية. واليوم في فلسطين من النهر الى البحر، يبلغ عدد الفلسطينيين 47 في المئة من مجموع السكان، واليهود 53 في المئة، وما هي الا سنوات اربع ويكون عددهم متساوياً مع اليهود. فكيف وأين يهرب اليهود الى "غيتو جديد" يقيمون حوله "حائطاً حديدياً"، كما قال جابوتنسكي، لكي ينعموا بالنقاء اليهودي؟ هذه أهداف لن تتحقق مع مرور الزمن. وانما يشتري اليهود بعض الوقت لمطاردة أهداف سرابية، بينما تستمر معاناة الفلسطينيين في الشتات. هذه اذاً هي الحجج الصهيونية لمنع عودة اللاجئين والإدعاء بأنها غير عملية وغير ممكنة. ومن المؤسف ان حفنة من الفلسطينيين لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة بعضهم في فلسطين وبعضهم في أميركا يرددون هذا الكلام من باب "الواقعية" أو "محبة السلام"، ولست أعلم ان اياً منهم قد كلف نفسه عناء القيام ببحث جدي في هذا الموضوع قبل أن يتبناه. ثم يقولون ايضاً أن "الكثير" من اللاجئين لا يرغبون في العودة حتى لو اتيحت لهم. ولست اعلم ان احداً احصي هذا "الكثير" بأي درجة من المصداقية. لكن كل استفتاء تم بيّن ان النسبة الساحقة أكدت على الرغبة في العودة الى البيت نفسه الذي طرد أهله منه، بما في ذلك اللاجئون الذين يعيشون في اسرائيل، وفي مناطق السلطة نفسها، على رغم كونهم يعيشون في فلسطين، لكن العودة تعنى العودة الى البيت نفسه. أما عن الشتات فحدث ولا تسل، ويكفي ان تتأمل صور الواقفين على سلك الحدود اللبنانية ينظرون بشوق الى الوطن. لكن كل هؤلاء الذين يتحدثون عن عدم الرغبة في العودة انما ينظرون الى حق العودة كما لو كان تأشيرة سياحية تنتهي صلاحيتها بعد مدة. وهذه مغالطة صريحة. فحق العودة حق ثابت لا يسقط مع الزمن ولصاحبه الحق في ممارسته في أي وقت شاء. ولذلك فإن هذه الاستفتاءات عن الرغبة في العودة عديمة القيمة. ثم يقولون ايضاً إن التسوية قد تتم عبر الاعتراف الرمزي بحق العودة وعودة بعض العائلات في برنامج لم الشمل وتبادل بعض الأراضي. ونحن لا نحتاج الى اسرائيل لتعتذر في كلمات عن حصيلة نصف قرن من الجرائم. إن ذكراها منحوتة في صدر كل فلسطيني. ان التوبة الاسرائيلية الحقيقية تتمثل فقط في اعادة الحق الى أهله وتصحيح الخطأ، وليس في برنامج دعائي رخيص. اما برنامج لم الشمل فهو وصفة قديمة فاشلة بدأها شاريت عام 1949. بناء على اقتراح ارزت تبدي اسرائيل استعداداً لعودة 70 ألف شخص، اي 5.1 في المئة من عدد اللاجئين. وعدد هؤلاء كان عام 1948 8 آلاف فقط. وشروط اسرائيل لعودتهم تعجيزية لدرجة ان هذا المشروع ليس له قيمة عملية. ويقولون انه قد يتم تبادل بعض الأراضي، فتضم بعض المستوطنات الى اسرائيل ويتوسع قطاع غزة في المقابل. ان كان هذا في سياق الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحدودها، فإن المشكلة ليست في حدود دولة فلسطين فحدودها مقررة تاريخياً، وانما في حدود اسرائيل نفسها التي لم تعلن لنفسها عن حدود. فالأرض اليهودية تساوي 5.5 في المئة من مساحة فلسطين عام 1948، ثم أعلنت اسرائيل دولتها في 14/5/1948 على أرض جديدة احتلتها مساحتها 14 في المئة، واحتلت في نهاية حرب 48 ما مساحته 78 في المئة من فلسطين، ثم احتلتها كاملة عام 1967. والآن تفاوض لتعطي 5 في المئة من فلسطين هي منطقة أ في الضفة الى اصحاب الأرض الذين كانوا يملكون 95 في المئة وتطلب من هؤلاء الاقرار بأن من كان يملك 5 في المئة له الحق الآن في 95 في المئة من فلسطين ان هذا حقاً من سخريات القدر. إذاً فالصراع الآن على مدى اتساع حدود اسرائيل. فإن كان المرجع هو القرار الرقم 242 الذي يزيل آثار عدوان 1967، فالحدود هي خط هدنة 1949 وهي واضحة ومعروفة. وان كان هذا غير مقبول لاسرائيل فإن المرجع الدولي الذي لا يزال قائماً هو قرار التقسيم الرقم 181، ومعناه أن على اسرائيل ان تنسحب من 24 في المئة من مساحة فلسطين 300.6 كلم2. ولسنا نفهم اذاً العبرة من تبادل الأراضي هذا. هل هو اقتراح بتقسيم جديد فلسطين؟ وعلى أي اساس يتم هذا؟ ان كان على اساس الغاء القانون الدولي واعتماد القوة العسكرية لاسرائيل والتحالف الأميركي كأساس للمفاوضات فهذا غير دائم ولا يصنع السلام. ولئلا يتفاءل احد بموضوع التبادل هذا، فإن كيلومتراً واحداً تعيده اسرائيل تأخذ في مقابله 3 كلم2 من الضفة، وتقترح ان تكون الضفة المستعادة في "خالوتسا". لقد عجز شيلوك، شخصية شكسبير المسرحية، أن يبتدع وقاحة أكبر من هذه. وقد لا يدرك البعض أن "خالوتسا" هذه هي تحريف اسرائيلي الى "الخلصة" وهي مكان في جنوبفلسطين، غرب بئر السبع. وهذه المنطقة كثبان رملية جرداء لا طير فيها ولا ماء، وقد أشارت اليها خرائط الجنرال اللنبي قبل نحو قرن، بأنها لا تسلكها الدابة ولا العربة. واليوم توجد في شرقها مستعمرة يصلها أنبوب مياه واحد. وعلى قرب منها يوجد مستودع كبير للنفايات الكيماوية السامة، وقد اعترضت على وجودها لجان بيئية محلية ودولية، ولا يزال الفلسطينيون المقيمون في النقب القريبة، يعانون من امراض سرطانية. لكن قطاع غزة المزدحم بمليون وربع المليون انسان بكثافة 4200 شخص/ كلم2 هو مأساة انسانية اذا ما قورن وضعه بوضع السكان اليهود حول هذا القطاع. تبلغ كثافة اليهود القرويين حول القطاع 6 أشخاص/ كم2 فقط اي حوالى واحد في الألف من كثافة قطاع غزة. واللاجئون هناك يرون أراضيهم شبه الفارغة رأي العين، مثلهم في ذلك مثل اللاجئين على حدود لبنان. ولا يوجد في جنوبفلسطين بمساحة 14ألف كم2، من الفالوجة الى العقبة، سوى 78 ألف يهودي قروي فقط بالاضافة الى سكان المدن مثل بئر السبع واسدود وغيرها. ولو تبادل هؤلاء الأماكن مع اللاجئين، لأمكن عودة كل اللاجئين في قطاع غزة الى بيوتهم من دون مشقة، وأمكن استيعاب هؤلاء اليهود القرويين في مخيم واحد أصغر من مخيم جباليا. وهكذا نجد ان من المستحيل ان يقبل اللاجئون بأي حل من دون حق العودة الكامل. وليعلم "الواقعيون" دعاة السلام ان كل ادعاءاتهم بعدم امكان العودة هي مجرد ترديد للباطل الذي تسوقه اسرائيل وتدفع اميركا ثمنه دراسات وبحوثاً. إن الواقعية الحقيقية هي انه يستحيل هضم حقوق 5 ملايين لاجئ، أراضيهم مباحة للغرباء وعلى رغم 50 عاماً من الاستيطان لا يزال معظم أراضيهم قليل الكثافة السكانية. الواقعية الحقيقية هي ان هذه المنطقة لن تنعم بالسلام اذا بقيت اكبر وأهم جماعة للاجئين في العالم محرومة من العودة الى ديارها. إذ لو رفض 1 في المئة فقط منهم هذه الحلول المفروضة، لتكونت منهم قوة قوامها 50 الفاً موزعة على المناطق الخمس لوكالة الغوث الاونروا أي بمعدل 10 آلاف في كل منطقة، وهذه قوة كافية لأن تجعل المحتل لا يغمض له جفن، كما حدث في جنوبلبنان. * باحث فلسطيني.