مقدمات المعركة الانتخابية النيابية في دائرة الجبل الثانية المتن الشمالي كانت توحي بأنها ستكون أكثر شراسة من التي أجريت بالأمس، واقتصرت شكاوى المرشحين خارج لائحة وزير الداخلية "ودرع المتن" ميشال المر، على أمور إجرائية تقنية محدودة لم تؤثر إطلاقاً في مجرى العملية الانتخابية. وتحول صخب الحملات الانتخابية خلال الأيام الأخيرة، والذي وصل الى حد وصف معركة المتن ب"حرب إلغاء" يوم أحد شبه عادي عاشته القرى والبلدات في وسط المتن وجرده، وتخللته بعض زحمة سببها تكاثر المندوبين وعناصر الأجهزة الأمنية امام أقلام الاقتراع. اليوم المتني الطويل الذي امتد زهاء 11 ساعة اقتراعاً بدأ متثاقلاً وبطيئاً. وفي مكتب المرشح والنائب السابق البير مخيبر الانتخابي، والذي يقع قبالة منزله وسط بلدة بيت مري، لم يكن أي من المندوبين وصل عند بدء عمليات الاقتراع، السابعة صباحاً، وكان من المفترض أن يتجمعوا قبل ذلك الوقت لينظموا توجههم الى الأقلام المحددة. وعلى رغم التأخر، خيم على المكتب والقيمين عليه هدوء الواثق بأن تحالف مرشحهم مع المر كفيل بإيصاله الى الندوة النيابية، بحد أدنى من الجهد، لكن زميلاً صحافياً فسر هذا الهدوء بعدم منطقية التحالف بين الاثنين لاختلاف طروحاتهما وتناقضها. وذهب آخر الى تفسير الهدوء بسن مخيبر 94 عاماً المتقدمة التي كادت أن تكون عائقاً حقيقياً أمام ترشحه. ورأي الزميل جاء بعد استغراب أعوان مخيبر لسؤال طرحه عن مواعيد برنامج جولته على الأقلام. ونفى مخيبر أن يكون الهدف من معركة المتن إلغاء أي من الرموز السياسية فيه، وقال إن "الهدف معاكس تماماً فهذه المعركة هي للحفاظ على الرموز التي يطمئن إليها المواطن وخلق سياسة تقيه غدرات الزمان". واعتبر أن المعركة الانتخابية هذه المرة "سياسية بالكامل وبعيدة من الأهداف المادية والتحالفات الضيقة، وهي تؤسس لمجلس نيابي وحكومة متجانسين يتبعان ثوابت سياسية للحكم المستقل والسيادة الدائمة والقرار". ناسباً هذا الكلام الى البطريرك الماروني نصرالله صفير. وقال مخيبر ل"الحياة" بعدما استغرق لحظات صامتاً ومتأملاً، إن اللبنانيين في حاجة الى تغييب الهواجس التي تقض مضاجعهم، وإنهم يؤمنون بزوالها من طريق المبادرات السياسية والتحرك الديبلوماسي. كلام مخيبر الذي غاب عنه الهاجس الانتخابي الآني، كان شبيهاً بالطريق بين بيت مري وبكفيا، مروراً ببعبدات التي ظلت خالية بصورة شبه كاملة في ساعات الصباح الأولى. في ساحة بكفيا استوقفنا رجلاً أربعينياً لسؤاله عن منزل المرشح بيار أمين الجميل، فأرشدنا بلهجة سورية إليه. وفي قاعة داخلية توسطها "الشيخ بيار"، محاولاً إخفاء توتره بتكرار سؤال الحاضرين عن أحوالهم، وبعدما تناول فنجاني قهوة وأتبعهما بثالث لم يكمله، قال ل"الحياة" "إنه لا يهدف الى إلغاء أي من السياسيين وأن الإشاعات التي تروج عن أن سبب خوضه المعركة الانتخابية في المتن الحد من نفوذ آل لحود على رغم انقسامهم، باطلة تماماً. وأكد الجميل أنه صاحب مشروع سياسي بدأه جده ووالده قبله وإن الأحوال السياسية الحالية أكدت صوابيته. ورفض الخوض في تفاصيل تحالفاته الانتخابية، مكتفياً بالتأكيد أنه مرشح منفرد على رغم إعلان المرشح نسيب لحود تبادل أصوات معه. وبعدما تأخر نحو عشر دقائق في الانطلاق بجولته على أقلام الاقتراع، قال منظم حملته صهره ميشال مكتف لأعوانه "اشطبوا قرية عن برنامج الجولة". وقبيل انطلاق بيار الجميل مع مناصريه لزيارة البلدات المجاورة، خرج والده الرئيس السابق أمين الجميل وصافح الحاضرين فرداً فرداً، وبدا أكثر راحة من ولده، وقد أدلى بصوته في أحد أقلام بكفيا. وظهراً راجت في المتن إشاعات ولوائح شطب فيها السوريون القوميون اسم المرشح الكتائبي منير الحاج. وكثر الحديث عن ورود اسم بيار الجميل على أكثر من لائحة، فارتفعت آمال مناصريه باحتمال اختراقه لائحة المر. وفي فندق "بولونيا الكبير" حيث جلس المرشح "القومي" غسان الأشقر يلتقط أنفاسه نفى أن يكون القوميون شطبوا منير الحاج، وأكد التزام الحزب التام لائحة "التوافق المتني". واعتبر أن ترويج هذه الإشاعات الذي "تأكد له وللمتنيين" مصدرها، دليل الى الوضع الانتخابي السيئ لمنافسيه الذين فقدوا كل فرصة في الفوز. وعند سؤاله عن عمليات تشطيب في اللائحة ضد المرشح انطوان حداد لمصلحة المرشح ميشال سماحة، اكتفى الأشقر بإيماءة أضاعت المعنى. لكن وضع ميشال سماحة المرشح عن المقعد الكاثوليكي كان مفاجئاً إذ جهر كثر من الناخبين من أنصار المر أنهم سيصوتون له، كذلك كان الوضع بين أنصار مخيبر والجميل. وإذا كان لا بد من تسجيل خرق لهدوء المتن، فإنه من دون شك في بلدة بتغرين، معقل المر، حيث قوبل بعاصفة تصفيق رافقتها مفرقعات نارية، حولت إدلاءه بصوته "بروفة" احتفال بالفوز. وإذ دأب المر على الرد وبقسوة على تصريحات نسيب لحود التي اتهمته بعدم الحياد والنزاهة في الانتخابات، فإنه لم يترك مناسبة إلا أكد فيها تماسك "الموزاييك" الذي ضمه في لائحته. وقال المر في بتغرين "أكان هناك ستار من أجل سرية التصويت أم لم يكن، فكلمة أبناء بتغرين معروفة وسيقترعون للائحة ميشال المر، وهذا الاكتظاظ يدل إلى نيتهم الاقتراع علناً للائحتنا، إنما كوزير للداخلية وحفاظاً على القانون وتأمين الحرية والنزاهة والديموقراطية، سأقترع وراء الستارة لأعطي المثل الصالح للذين يقولون كلمتهم داخل الستارة وخارجها". حدة المر قابلها نسيب لحود بردود مهذبة ولاذعة في آن. واستغرب مرشح "صوت المتن... صدى لبنان" كيف أن المر سارع الى الرد عليه ولم يكن اطلع بعد على فحوى الشكاوى التي قدمها. اليوم المتني الطويل انتهى بالهدوء الذي بدأ به، وإذا صحت توقعات المتنافسين، أكانت باختراق نسيب لحود وميشال سماحة وبيار الجميل، أو فوز لائحة المر كاملة زائد مخيبر، فإن انتخابات أمس لن تبدل من المشهد السياسي في المتن في المستقبل المنظور على الأقل. ويقول بيار الجميل إن الزعامات المتنية لم تبن يوماً عبر صناديق الاقتراع.