إنها منطقة برج حمود الانتخابية، حيث أصوات اللبنانيين من أصل أرمني وحيث تصل "كلمة السر" أول ما تصل. ولبرج حمود تقاليد انتخابية خاصة، شهدت ذروتها في انتخابات أمس. فهي منطقة مقفلة تماماً على غير مرشحي حزب الطاشناق، الحليف الرئيسي لوزير الداخلية ميشال المر، وهي مقفلة بالمعنى الأمني قبل الانتخابي، إذ خاض أفراد ماكينة اللائحة المنافسة للائحة "التوافق" أي "لائحة الحرية"، ما يشبه حرب عصابات حقيقية أثناء محاولتهم الوصول الى الأقلام لمراقبة عمليات الاقتراع. والمرشح المنافس لحزب الطاشناق رافي مادايان، الذي استعان بمندوبين من خارج المنطقة، هوجم أكثر من مرة مع مرافقيه أثناء محاولاته كسر "الجدران" البشرية التي نصبها الطاشناق ومناصرو المر أمام الأقلام. وفي كل مرة كان مادايان ورفاقه يتفرقون في أزقة برج حمود، يلتقون مجدداً في نادي "أرارات"، ويبقى منهم فيه من أصيب في حين يقوم الآخرون بمحاولات جديدة. وكل هذا كان يحصل على مرأى من القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي. وبعد الظهر، حصل حادث بين مناصري لحود وسماحة من جهة، ومناصري خصومهم من أخرى، وشوهد سماحة يترجل من سيارته وسط الشارع، وهو يصيح:"كفي زعرنات وإغلاق شوارع". ولما قال لهم بلكنة أرمنية:"ما في زعرنات"... رد الوزير السابق:"خلصنا زعرنات". ماكينة مادايان كانت غير أرمنية في معظمها، ما صعب مهمتها في برج حمود، وأشعر أفرادها أنهم يخوضون معركة على أرض غيرهم. صحيح أنهم مندوبون رسميون يحوزون تراخيص دخول الأقلام، لكن تقاليد برج حمود كانت أقوى من الأذونات. أما ماكينة وزير الداخلية المتحالفة مع الطاشناق، فكان وجودها أمام الأقلام في برج حمود كثيفاً وزاجراً، ويحف بهذا الوجود ويختلط معه في الوظائف والأدوار وجود عناصر قوى الأمن الداخلي. فإن تدخل مركزاً انتخابياً في برج حمود، من السهل جداً أن تصادف من يسألك عن بطاقتك من غير العسكريين المولجين الأمر، ولعل كثافة مندوبي لائحة وزير الداخلية هي أكثر ما يعسر أي رغبة في انتخاب هادئ. فاللوائح تحاصر الداخلين الى الأقلام، والمندوبون المحترفون لا يقيمون أي وزن لرغبات كهذه. وهذا الأمر يتطور أيضاً ليتحول مكتباً انتخابياً داخل قلم اقتراع بلدية برج حمود، إذ ما إن تدخل المركز وبعد أن يدقق رجال الأمن ببطاقة السماح بدخولك، حتى تفاجأ بطاولة كبيرة وضعت عليها أكثر من خمسة أجهزة كومبيوتر وجلست خلفها شابات وضعن على قمصانهن صوراً للوزير المر. وفي الطريق من بوابة المركز الى طاولة الكومبيوترات يقف شباب "مرّيون" متراصفون يحول وقوفهم دون دخول غرفة الاقتراع، إلا عبر المرور من أمام شابات الكومبيوتر اللواتي يدققن في بطاقات الانتخاب في بعض الحالات، أو يمنحن بطاقات في حالات أخرى. وهذه الطاولة محروسة من بعض "شرطة اللائحة"، ويمنع على الصحافة إطالة النظر إليها. وحين حاولت صحافية التقاط صورة لها تقدم منها ضابط الأمن ذو النجمتين وصادر كاميرتها بحجة أن ترخيص التغطية الممنوح لها يجيز لها تغطية الانتخابات من دون تصويرها. ينسحب الوضع في برج حمود على بعض مراكز انتخابات ساحل المتن الشمالي، لكنه ينحسر في مراكز أخرى. فعلى باب مركز اقتراع بلدة الخنشارة، كانت مندوبة المرشح بيار أمين الجميل، ميرنا طوبية تقف دامعة بعدما وبخها مندوب اللائحة الأخرى عندما حاولت توزيع اسم مرشحها. وللجميل وهو مرشح منفرد حضور لافت في منطقة ساحل المتن، ولوحظ أن اسمه وضع على لوائح عدة. وكشفت الانتخابات درجة تضامن جيدة معه ومع والده الرئيس السابق للجمهورية، أما مركز اقتراع انطلياس، فيغلب الهدوء على حركة المقترعين فيه، ولم تؤد شدة التنافس الى احتقانات تذكر، خصوصاً أن أبناء البلدة، اذا استثنينا المجنسين الآتين من بعيد للاقتراع، يقولون "إن الانتخابات موسم كل أربع سنوات، أما نحن فسنعيش معاً العمر كله".