يمثل اختيار المرشح الديموقراطي آل غور لجوزيف ليبرمان نائباً له في حال نجاحه في انتخابات الرئاسة الاميركية حدثاً يحمل أبعاداً كثيرة بعضها ثانوي وبعضها اساسي. والحدث يعبر بالدرجة الاولى عن قفزة بمستوى النفوذ الصهيوني اليهودي الفعلي في الدولة الاميركية فهو تتويج لوصول ذلك العدد من اليهود الى مجلس الامن القومي وأمانة سره، واحتلال عدد غير قليل من الوزارات وبلوغ اولبرايت وزارة الخارجية وكوهين وزارة الدفاع، والأهم وقوع الساسة الاميركيين من اعضاء الكونغرس الى كلينتون نفسه بين براثن اللوبي الصهيوني. وقد وصل الاختراق الصهيوني بعيداً حتى داخل الحزب الجمهوري. الأمر الذي يعني ان المواقع التي كانت احتكاراً في الدولة الاميركية للمجموعة البروتستانتية الانكلو - سكسونية الاميركية البيضاء الواسبس اصبحت الآن مخترقة حتى العظم من الاقلية اليهودية. واذا ما وصل ليبرمان الى موقع نائب رئىس الجمهورية جهاراً نهاراً، وكرس هذا الحق لليهود الاميركيين، فهذا يعني ان الاقلية اليهودية من خلال المنظمات الصهيونية اخذت تحل محل "الواسبس" وتأكل من حصتهم وصولاً الى سدة الرئاسة نفسها. وبهذا تكون الدولة الاميركية قد دخلت مرحلة تغيير نوعي في بنيتها او عمودها الفقري، وربما ادى ذلك الى تطور تناقضات من طراز جديد داخل الولاياتالمتحدة، لا سيما داخل اجهزة الدولة وأوساط الطبقة الوسطى. لو راجعنا الامثلة التي عرفت مثل هذا الانتقال في بنية الدولة اي انتقال اقلية الى موقع السيطرة على مراكز القرار وقيادة اجهزة الدولة ومن ثم التحكم في المجتمع، في صورة عامة، سنجدها جميعاً قد انتهت الى تفجر تناقض حاد بينها وبين الغالبية. ولعل مثل البرامكة في تاريخ الدولة العباسية ليس ببعيد على رغم ان الاسلام يحتمل من حيث المبدأ هذه الحال ما دامت تلك الاقلية مسلمة، الا ان الواقع العملي فجر تناقضاً حاداً جداً. طبعاً ليس من السهل ان تعمم حال محددة على كل الحالات، او حتى حال عامة جاءت نتاج حالات متعددة على ما يستجد من حالات. لأن من الضروري ابقاء درجة من الخصوصية في الاعتبار عند قراءة مستقبل كل حال. ولكن يمكن، حين نقرأ حركة تنامي نفوذ المنظمات الصهيونية الاميركية، خصوصاً خلال الخمسين سنة الماضية، ان نتوقع تمادياً مستمراً من جانب تلك المنظمات في السيطرة على الدولة والاقتصاد والاعلام والثقافة في اميركا من دون ان يحسب جيداً نتائج ذلك، وما يمكن ان يولده من ردود فعل، خصوصاً، من جانب مجموعة "الواسبس"، هي التي تعتبر نفسها الاصل وان قيادة الدولة لها من دون غيرها. وقد مارست كل ألوان التمييز ضد مختلف المجموعات الاخرى، من اجل الحفاظ على موقع العمود الفقري في الدولة من اصغر مؤسسة الى اعلى الهرم، فكيف يمكن ان تصل بها "الأريحية" او "التسامح" الى حد القبول ان تحل الاقلية اليهودية مكانها وتصبح هي في موقع المميز ضده والمهيمن عليه؟ من هنا يجب ان نتوقع تفاقم التناقض بين مراكز النفوذ اليهودي الصهيوني الاميركي و"الواسبس"، كما بين تلك المراكز وفئات المجتمع الاميركي الاخرى. ولا تُؤجل هذه النتيجة غير نزول هزيمة منكرة في الانتخابات المقبلة بآل غور ونائبه ليبرمان، وهو ما يجب ان نتوقعه لأن ليس من السهل الا يستشعر الرأي العام الاميركي الخطر المقبل حين يبدأ اللوبي الصهيوني بطرق باب الرئاسة مبتدئاً بنيابة رئىس الجمهورية. على ان وصول الاقلية اليهودية الصهيونية الى سدة الرئاسة الاميركية من خلال نيابة الرئىس واحكام قبضتها على مراكز القرار ومواقع النفوذ في الدولة قد تكون له، بدوره، نتائج على العلاقات الاميركية - الاسرائيلية ليس من جهة زيادة التأييد الاميركي للدولة العبرية. لأن ليس هنالك من مزيد على التأييد الذي تلقته الدولة العبرية في عهدي الرئىس بيل كلينتون الذي وصل الى حد تذييل السياسة الاميركية وراء السياسة الاسرائيلية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والسياسات الاميركية في المنطقة عموماً، وانما من جهة احتمال ترعرع تناقض بين قيادات الدولة العبرية والقيادة اليهودية الصهيونية الاميركية. وعنوانه من يقود من؟ او لمن قيادة الحركة الصهيونية العالمية؟ لأن وصول اللوبي الصهيوني الاميركي الى مواقع القرار ومراكز القوة في الدولة الاميركية ورسوخه فيها يعني ان "دولة اسرائيل" اخرى اقيمت في الولاياتالمتحدة. وستكون هذه اقوى وأهم، فكيف لا تكون القيادة لها لكي تستطيع ان ترسخ مواقعها الجديدة بصفتها المسؤولة عن قيادة الولاياتالمتحدة الاميركية واصبحت في حاجة الى مراعاة المصلحة الاميركية، ولكن كيف يمكن لقيادات الدولة العبرية ان تسلم بذلك بلا صراعات وبلا حدوث اختراقات واهتزازات في العلاقة بين الطرفين؟ طبعاً يبدو هذا التوقع قفزة تعدت حدود المدى المنظور لكنها ليست وهمية، وان كان شرطها انتقال الاقلية اليهودية الصهيونية الاميركية الى سدة الرئاسة بعد ولوجها مواقع السيطرة على الدولة والقرار في الولاياتالمتحدة، وهي كما يبدو ساعية الى ذلك. ولكن ما زال دونه خرط القتاد حتى الآن، وان كان ما تم خرطه من القتاد ليس بالقليل، بل سيدخل في مجال الكثير اذا نجح آل غور ونائبه جوزيف ليبرمان. * كاتب فلسطيني.