تكاد المفاضلة بين المرشحين للرئاسة الأميركية، الجمهوري جورج دبليو بوش والديموقراطي آل غور، على صعيد سياستهما نحو الشرق الأوسط، تكون ممارسة عبثية أو اختياراً بين الأسوأ ومن هو الأشد سوءاً. ذلك أن التنافس بين بوش وغور مالياً وإعلانياً واستمالة لهذه الشريحة أو تلك من المجتمع الأميركي، على أساس ما تملكه من قوة الأصوات والنفوذ يشتدان أكثر عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي - الاسرائيلي. وقد شهدنا حتى الآن بعض أوجه "المزاد العلني" الذي يتنافس المرشحان الجمهوري والديموقراطي فيه على خطب ود اسرائيل وأنصارها اليهود في الولاياتالمتحدة، وهم مجموعة قوية واسعة النفوذ في الصحافة والتلفزيون، ولهم مجموعة ضغط عاتية لها قدرة ارهابية مخيفة في أوساط الكونغرس وقدرة على حشد الأصوات اليهودية وتوجيهها الوجهة التي يمكن أن تضمن لاسرائيل أقصى المنافع وأعظم الدعم عسكرياً ومالياً وسياسياً. وجمع المرشحان حولهما "خبراء" في شؤون الشرق الأوسط معظمهم من الصهاينة اليهود الذين لا يمكن الا للسذج أن يعتقدوا بأن ولاءهم الأول لأميركا. وقد وضع هؤلاء "الخبراء" المنحازون لاسرائيل سياسات لمرشحيهم لا يمكن التمييز بسهولة بين خطوطها العريضة التي تعزف نغمة ضمان ليس فقط أمن اسرائيل وانما أيضاً تفوقها النوعي عسكرياً واستراتيجياً على مجموع محيطها العربي وما يتجاوزه الى ايران وربما باكستان أيضاً. ولم ينس أولئك "الخبراء" ان يصنفوا عدداً من الدول العربية والاسلامية في عداد ما يسميه الأميركيون الدول "المارقة" والايحاء بأن الدول التي تبدي مقاومة للسياسات الصهيونية الأميركية انما تجازف بإلحاق نفسها بذلك التصنيف مع كل ما ينذر به الانضمام اليه من عواقب الحصار والمقاطعة. وعندما حقق المرشح بوش تفوقاً في استطلاعات الرأي على منافسه غور من خلال مؤتمر الحزب الجمهوري، وكان مؤتمراً مرسوم المشاهد سلفاً ولم يترك فيه أي مجال للارتجال، رأى غور أن الوقت يدهمه وأن لا بد من سد الفجوة بضربة كبيرة. جاء بوش بوزير الدفاع السابق في عهد والده ديك تشيني ليكون على لائحته نائباً للرئيس، وليوحي للناخبين بأن نقاط ضعفه وقلة خبرته سيعوض عنها ذلك الرجل المجرب الواسع الخبرة. وجاء بوش ايضاً بالرئيس السابق لهيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال كولين باول ليقنع اعضاء المؤتمر بضرورة تنفيذ سياسات داخلية تساوي بين الأقليات وبأن بوش مؤمن بهذه السياسات. وكان على غور أن يتحرك، فحمل على لوبي شركات النفط في أوساط الجمهوريين وعلى سياسات الجمهوريين المحابية للأثرياء وعمل على ابراز نفسه كنصير للعائلات العاملة الأقل دخلاً. لكن ضربته الكبرى جاءت باختياره السناتور جوزيف ليبرمان نائباً له... نائباً للرئيس إذا فاز غور، لينكسر بذلك أحد المحرمات غير المكتوبة في الحياة السياسية الأميركية. والسناتور ليبرمان الذي يمثل ولاية كنيكتيكت في الكونغرس معروف بالتزامه طقوس الديانة اليهودية، يتوقف عن العمل مساء الجمعة ولا يعود لمزاولته الا مع انقضاء السبت. وليبرمان نشيط في أوساط الجمعيات والمنظمات اليهودية الأميركية الداعمة لاسرائيل حيث له أقارب يحرص على رفاههم. وليبرمان عاب على ادارة بيل كلينتون المفعمة بالصهاينة انها تتبع سياسة "متوازنة" في الشرق الأوسط! هنا تفقد الليبرالية التي قد يتغنى بها غور معناها وتتحول حرباً عنصرية مكشوفة ينضم فيها الى العدوان الاسرائيلي على الأراضي العربية في فلسطين والجولان والقدس. وعند هذا الحد يجب أن نقول للأميركيين: لكم أن يكون رئيسكم أو نائبه من أصل ياباني أو صيني أو أن يكون بوذياً أو يهودياً أو كاثوليكياً، أو أن يكون رجلاً أو امرأة، فهذا شأنكم نتابعه كأي خبر. أما أن تعلنوا بالممارسة العملية وبالتصريحات الكلامية ان حيادكم في موضوع الصراع العربي - الاسرائيلي انتهى وحل محله الانحياز السافر لاسرائيل، فأمر يعني حرباً منكم على حقوق العرب في أراضيهم. والعرب واعون على هذا العالم الاحادي القطبية وعلى الدور الأميركي الجنوني فيه، وأنتم أيها الأميركيون تستفزوننا الى حدود غير مقبولة.