نجح موقف شعبي - اعلامي وتوجيه عال في "اقناع" الحكومة السورية برفع الرواتب والاجور للعاملين في القطاع العام وفق "خطة مدروسة" تحقق الافادة العملية القصوى الممكنة من الزيادة. راجع ص10 لم يكن انشغال المواطن العادي بالزيادة مفاجئاً باعتبارها تؤثر في نحو 50 في المئة من السوريين فعدد العاملين في الدولة يبلغ نحو 4،1 مليون. لكن دخول الاعلام الرسمي بكل وسائله في العملية بعمق كان الامر اللافت، فللمرة الاولى تخصص كل الصحف الحكومية افتتاحياتها والاذاعة والتلفزيون تعليقيهما الدوريين للاجور والرواتب. وبدأت "الاشاعة" عن زيادة الرواتب في 16 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وذلك لمناسبة مصادفتها مرور 29 سنة على تسلم الرئيس الراحل حافظ الاسد الحكم. وانبعثت "الفكرة" في الشارع بعد التغيير الحكومي في آذار مارس الماضي بتشكيل الدكتور محمد مصطفى ميرو "حكومة اصلاح وتغيير". لكن السوريين الذين زاد أمل بالزيادة بعد اداء الرئيس بشار الاسد القسم في 17 الشهر الماضي سرعان ما اصيبوا ب"خيبة" إثر ندوة تلفزيونية تحدث فيها الاسبوع الماضي وزراء المال محمد خالد المهايني والتخطيط عصام الزعيم والاقتصاد محمد العمادي لان هؤلاء "برروا" عدم امكان حصول المواطنين على زيادة في معاشاتهم توازن بحد ادنى الزيادة في الاسعار والتضخم وضعف القدرة الشرائىة وارتفاع حاجات الناس نتيجة جرعات الانفتاح التدرجي. ونتيجة "الخيبة" و"حملة" وسائل الاعلام على المنتدين والحديث عن ضرورة الزيادة، عقد مجلس الوزراء جلسة قبل أيام خلص فيها الى اتخاذ قرار بتخصيص بليون دولار اميركي لاقامة مشاريع استثمارية تواجه البطالة من اصل 6،1 بليون خصصت نظرياً لمعالجة المشكلة بكاملها. وأوضحت مصادر رسمية "ان الحكومة كانت امام خيارين: الاول، رفع الرواتب والاجور بنسبة عالية تلبي طموحات العاملين وتردم الفجوة بين الاجور والاسعار، لكن لهذا الخيار محاذير اهمها التضخم الذي ستقابله طفرة في الاسعار، اي تآكل الزيادة واستمرار الخلل واحباط الآمال. والثاني، رفع الأجور بنسبة معقولة في اطار عملية مرحلية تمكن من لجم الاسعار على ان يصحح الخلل تدريجاً وتحسين الاداء الاقتصادي". وقالت ان "القرار وقع على الاحتمال الثاني لانه الحل المنطقي". وتشكل كتلة الرواتب والاجور 75 بليون ليرة سورية 5،1 بليون دولار، ويتوقع ان تكون الزيادة بقيمة 500 مليون دولار تضاف الى بليون مخصصة لمواجهة البطالة، فتحل قسطاً من المشكلة وليس كلها. وكتبت صحيفة "البعث" امس: "نحن ضد سياسة التطفيش وزيادة البطالة، ولكن يجب ان لا نجامل المتقاعسين والمقصرين والاتكاليين الذين ينظرون الى العمل الوظيفي كأنه تكية السلطان وان لهم حق الاعالة على الدولة. هؤلاء كانوا دائماً الاكثر مطالبة بكل شيء دون ان يقدموا اي شيء بالمقابل". وتعود آخر زيادة الى العام 1994 وكانت بنسبة 30 في المئة من الراتب، لكن تراجع القيمة الشرائية كان يحصل بمعدل 12 في المئة سنوياً. ويبلغ متوسط الراتب الشهري للموظف حالياً ثمانين دولاراً. وقال نائب شيوعي: "ان 80 في المئة من السكان يحصلون على دخل اقل بكثير من شريحة لا تتجاوز نسبتها 10 في المئة. اي ان دخل الفرد من هذه الشريحة يساوي دخل عشرة آلاف شخص من الشرائح الاخرى".